على قبر أمي ( ... أتيت قبر أمي لأبكي ... ثم أبكي ... ثم أبكي ....) أمي ... ها أنا عدت من مدرستي .... ولم أجدك في الدار !... فجئت إليك ... حاملة دموعي ... وكماَ من اشتياقي .... للتو أتيت من المدرسة ... ناديت عليك في الدار فلم أسمع سوى الفراغ ، كنتِ هنا ، في الدار تنير الدار ، ورب محمد يا أماه ، لولا ذكراكِ الذي لم يذبل في ذاكرتي ، ويقيني إنك رحلتي عن الحياة ، لأخذت الطرقات أفتش عنكِ ، أفتش عن رائحتكِ يا أمي ، وعن مكانكِ الفارغ في الدار والممتلئ بصدري ، أبحث عن طريق داست أقدامكِ عليه ،لأشم الأرض ، لعل الأرض تحمل رائحتك ، ولكني وجدتكِ تحت الأرض !! ليتكِ تقومي معي الآن ، ونذهب سوياً إلى الدار ، تعملين لي كعك بالسمسم التي أحبها ، وأقسم لك بالله يا أمي أنني لن أزعجك ، سأعمل واجباتي المدرسية لوحدي ، وحين أنتهي ، سأشاهد التلفاز كما كنتِ تقولين لي دائماً ، فقط كوني راضية عني يا أماه ولا تتركيني هنا لوحدي . ولا تغضبي مني ، لأنني خرجت في الشمس الآن ، ولكني خرجت لأجل أنني اشتقت إليك يا أمي بحثت عن اسمي في صوتكِ ، فيبس لساني . أعذريني يا أماه فحديث عنكِ ، يحتاجني كثيراً ،و أحتاجه كثيراً . أماه .... كنت أتحدث عن صديقاتي عنكِ ، وأشير إلى فطيرتي التي بيدي ، وأقول لهن إن أمي هي التي عملتها لي ، وحين يذهبن يا أماه ، أدس نفسي في زاوية لا يرها أحد ، أغلف فطيرتي في جيبي ، ولا أقضم منها شيئاً ، لأن يدكِ يا أماه لم تمسها ، ولأن الدموع أطبقت على فمي صمتاً . أي حزن هذا الذي يلبسني ، ليس لي من بعدك يا أماه سوى الدموع ، فلا أحد حولي ، ولا أحد يسألني عن جوعي ، وعطشي ، ولا أحد يلف جسدي باللحاف حين أريد أن أنام ، حتى الأحلام يا أماه ، أهرب إليها من واقعي لأجدك فيها يا أماه ... بكيت فقدك حتى أضناني البكاء ، وليت البكاء يعيدك لي يا أمي ، لأجعل يومي بكاءَ لتعودي ، أشعر بأن الحياة فارغة ، وأنني لست من أهلها ، فكيف أصحو صباحاً ولا أجدك ؟... من يجدل شعري من بعدك يا أماه ؟... من يمسك بيدي لنذهب إلى السوق ؟.... أماه ... حين تغضب مني المعلمة ، وتضربني ، لمن أشكو وجع ضربها ؟.... وحين تطلب مني أن أعمل عملاَ وأحضره معي ، من يساعدني فيه ؟.... قالوا عني يتيمة ، أرفقوا بحالها ، لم أعد أنا يا أمي هي أنا ، فحين يأخذني أبي لبيت جدي ، أجد خالاتي وعماتي ولا أجدك بينهم ، أجد بنات خالاتي وعماتي يلجئن إلى أمهاتهن ، وأنا ليس أمامي سوى جدار دار جدي ، أخفيه فيه وجهي بكفي ، وأبكي احتياجي لك يا أماه ... بنت خالتي ، حين أعجبت بتسريحة شعرها ، سألتها عنها ، فقالت بكل فخر ، أمي عملتها لي أسكتُ حزني وفقدي لك ، ونظرت لشعري لأجده قبيحاَ مهما عملت به ، لأن أناملك الطاهرة لم ترسمه كما أحب ، أحتاجك يا أمي في كل شيء في هذه الحياة ، فالحياة بدونك يا أمي لم تعد بالنسبة لي حياة ، كانت حياتي ممتلئة بك ، وغدت الآن خالية من كل شيء ، كثيراً ما ذهبت إلى خالتي ، لا لشيء ، فقط لأبكي على صدرها ، لأني أعلم يا أماه إنك تحبينها . رحلت من زمن الطفولة ، وأتيت إلى هنا لأبكي فقدي ، فرحيلك قصم ظهر طفولتي ، لتصبح حياتي مختلفة . تساوى لدي الليل مع النهار ، فبكلاهما لن أراك ثانية يا أمي ، لا أريد أن أغادر هذه الأرض ، فقد حضنت جسدك يا أمي ، وكم احتاج إليك . قال لي أبي " هذا يومها الله يرحمها " إنه يومك يا أمي ، نهاية أفراحي وافتخاري ، نهاية أيامي ونظراتي ، نهاية طفولتي ، بل نهاية حياتي .... أفتقدك يا أماه ، ورب محمد أفتقدك ، لم يسعني الدار ، كل أحلامي ماتت معك يا أماه ، حتى ابتسامتي لم أجدها وكأنها غادرتني معك يا أماه ، فكيف بالله يا أمي أعيش وأنت هنا ، تحت هذا التراب ، كيف أكف جوعي وأنتِ هنا يا أماه لا تأكلين شيئاَ ؟ ، كيف أشرب العصير الذي أعطاني إياه أبي في الصباح وأنا أغادر للمدرسة ، وأنتِ هنا لا تشربين شيئاً ؟، وكيف يا أمي أتنفس الهواء الذي غاب عن صدرك ؟ ... ليتني يا أماه أرقد معك هنا ، لا أريد الحياة بدونك ، سأشعر بدفئك ، وحنينك ، سأمكث معك هنا إلى يوم الدين ، فقط لأكون بجانبك يا أمي في القبر، بعد أراد الله جل شأنه أن لا تكوني معي في الحياة.