مرت فترة طويلة، ربما شارفت على السنة لم أزر الصديق والناقد البحريني أحمد المناعي، وقادتني له الطرقات هذا الأسبوع وبعيداً عن بيروقراطية المواعيد، وتجليات البعض بالهروب من المواعيد المفاجئة (وهي طريقة غير حضارية طبعاً)، لكن مثل المناعي، لايرفض زيارة صديق قديم حتى لو كانت مفاجأة. أحمد المناعي لمن لايعرفه فهو من مؤسسي الحركة النقدية البحرينية ولايمكن الحديث عن تجارب السبعينات والثمانينات في البحرين دون ذكر الناقد أحمد المناعي. والمناعي أحد مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب في سبعينيات القرن الماضي، وهو من يحاول دائما الحفاظ على كيان الأسرة ككيان أدبي مستقل بعيداً عن السياسة. وفي كتاب الدكتور إبراهيم غلوم (المسافة وإنتاج الوعي النقدي: أحمد المناعي والوعي بالحركة الأدبية الجديدة في البحرين) أكد من خلاله بأن الحركة الأدبية في البحرين التي انطلقت عبر مجموعة من الأدباء الشباب (قاسم حداد وعلوي الهاشمي وأمين صالح) كان هناك عقل نقدي متابع لهذا النص الأدبي راصد تحولاته ومسافة الوعي بداخله حيث قال: (يوازي هذا الوعي داخل النص وعي نقدي مباشر تمثل في الحركة النقدية التي بدأت ومثّلها ويكاد يكون نموذجها المباشر هي تجربة الأخ والصديق أحمد المناعي في متابعته وفي رصده لهذه الحركة الأدبية الجديدة وقد بدأ من العام 1970 وهي الفترة الحقيقية التي انطلق فيها كيان أسرة الأدباء والكتاب، وانطلقت الحركة الأدبية الجديدة، وبدأ النص النقدي ها هنا يوازي ذات الوعي الذي صورته داخل النص النقدي). وفي منزل (أبو رافد)، يجتمع كل أسبوع ثلة من الأدباء والمثقفين والأكاديميين مساء كل اثنين لمناقشة هموم مشتركة، حتى أصبحت تلك الاثنينية ملتقى للأدباء الذين يزورون البحرين. ورغم غياب المناعي في الخمس سنوات الأخيرة عن حضور بعض الفعاليات الثقافية إلا أنه يتابع مجريات الساحة الثقافية الخليجية قبل البحرينية، ويحرص بشكل دائم على اقتناء ومتابعة جميع الدوريات والمجلات الثقافية التي تصدر في العالم العربي، وحينما تبحث عن مجلة أدبية لا عليك سوى سؤال (أبو رافد) عنها. يحاول كثيراً أن يبتعد المناعي عن الحديث في الشأن السياسي، لكن الأحداث الجارية لاتجعله سوى أن يعيد قراءة التاريخ من جديد، مؤكداً على ضرورة أن يحافظ المثقف على تلك الشعرة الفاصلة بين الدخول في متاهة اللعبة السياسية كي لايحرق أوراقه، وفي حديثنا العابر لم نستطع سوى قراءة مشهدنا الثقافي، بعيون فاحصة، وكثيراً ما أستنير برأي المناعي في المشهد الثقافي البحريني الذي لايبعده عن المشهد الثقافي في العالم العربي، ولايدعي بأنه قدم نموذجاً “تويترياً”، أو “فيسبوكياً”، لسقوط المثقف العربي وكأنه شاهد ومتابع لتلك المرحلة، بل يعيد عليك ما سبق وأن ذكره قبل عشر سنوات من حدس المثقف، بأن المرحلة مقبلة على متغيرات لن يقودها المثقف بل الشارع الذي لايحتمل تزيف الواقع وتزينه بمرحلة وردية. في حضرة الناقد أحمد المناعي، عليك أن تتصالح مع الذات، وتعيد قراءة الواقع بعيداً عن أي نظرة مسيسة ، كي تستطيع تقديم رؤية أكثر مصداقية مع ما يمكن ترميمه من مشهد أصبح أكثر تهشيماً من ذي قبل.