من خلال متابعاتي لما ينشر في صحفنا المحلية, وما يدور في مجالس إخواننا الأدباء والمثقفين حول الأندية الأدبية، واختلاف وجهات النظر حول طرائق إدارة انتخاباتها، والفرقعات الصحفية التي يشنها بعض المنتسبين للعالم الثقافي أو المعارضين له, فإني أجد أن هذه الأمور ما هي إلا زوبعات ومشاكسات لن تفيد المشهد الثقافي, ولن تقدم له ما نرجوه من فتح ملفات الأجندة الثقافية والنقدية وأسئلتها المعرفية, ولن يجني المشهد الثقافي منها سوى التضعضع والتراجع خاصة إذا قمنا بمتابعة ما يحدث في العالم قياساً بما يحدث لدينا. ولعل كثيرا من الأسئلة الثقافية يراد لها إجابات شافية حول مسائل مهمة وخطيرة في المشهد الثقافي, ومن أهم تلك الأسئلة: لماذا انحسر النقد الأدبي للنصوص؟ وأين هي نتاجات الحركة النقدية المعاصرة؟ لماذا صارت كتابات عقد الثمانينيات الميلادية هي الأهم من الكتابات الحالية؟ لماذا لا تشكل الكتابات النقدية التي تصدرها الأندية خطاباً نقدياً؟ أين هي تلك الدراسات والأطروحات الجامعية في النقد الأدبي؟ لماذا لا تزال تقبع فوق أرفف المكتبات؟ لماذا لا يجرؤ أصحابها على طباعتها؟ لماذا يجامل المجتمع الثقافي كثيراً من الناس عندما يُسبقون أسماءهم بكلمة (الناقد) وهم ليس لديهم أي كتاب منشور, أو مقالة نقدية في مجلة محكمة؟ لماذا انصاع المشهد الثقافي للدعوة البائسة التي رفعها في يوم من الأيام الدكتور عبد الله الغذَّامي عندما قال ب (موت النقد الأدبي)؟ لماذا لا تشكل الكتابات النقدية التي تصدرها الأندية خطاباً نقدياً؟ أين هي تلك الدراسات والأطروحات الجامعية في النقد الأدبي؟ لماذا لا تزال تقبع فوق أرفف المكتبات؟ لماذا لا يجرؤ أصحابها على طباعتها؟ لماذا يجامل المجتمع الثقافي كثيراً من الناس عندما يُسبقون أسماءهم بكلمة (الناقد) وهم ليس لديهم أي كتاب منشور, أو مقالة نقدية في مجلة محكمة؟ لماذا انصاع المشهد الثقافي للدعوة البائسة التي رفعها في يوم من الأيام الدكتور عبد الله الغذَّامي عندما قال ب (موت النقد الأدبي)؟ إن الانحسار النقدي للنصوص الأدبية الذي تشهده الساحة الثقافية لا يزال ملفتاً لنظر المتابعين والمهتمين, وذلك له أسبابه التي دعت إليه، وساعدت على بروز كم هائل من الكتابات الروائية, وبطبيعة الأمر فقد كان لانحسار حركة الحداثة التي ارتبط بها النقد في عقد الثمانينيات دور في تراجع الحركة النقدية, كما أن سجالات وصراعات الخطابات الدينية والحداثية إذ ذاك ساعدت على تسريع نهاية المعركة دون العودة لأدبياتها وخاصة مع بروز الخطاب السياسي والنظام العالمي الجديد الذي دشنته حرب الخليج الثانية مع دخول صدام حسين لدولة الكويت, مما استلزم تحميل المنطقة وثقافتها نوعاً جديداً من تبعات المواقف التجديدية التي لم تألفها من قبل وخاصة المملكة وخصوصاً حركات التغيير الاجتماعي ودعوات الإصلاح وقضايا المرأة. ومع انتهاء عقد التسعينيات تظهر الأيديولوجيا العالمية الجديدة وهي العولمة, وثورة الاتصالات لينشغل بها المجتمع المحلي عن بكرة أبيه, ولذلك فقد ساعدت هذه النقلة الجديدة في مد روافد الكتابات الروائية وخاصة مع صعود الشعارات المنادية بتراجع زمن الشعر وبروز زمن الرواية, مما جعل من الكتابات النقدية لامجال لها وخاصة مع سيطرة ثقافات متعددة كثقافة التسليع في الحياة الخاصة والعامة, بحيث أصبحت الكتابات والأجناس الأدبية داخلة في منطق السلعة وما يتطلبه السوق, وليس النقد بطبيعة الأمر منها, كما أن اقتصار الكتابات النقدية داخل أروقة الجامعات الأكاديمية -مع كثرتها- قد أضر بحركة النقد كثيراً, لأن النقد الجامعي يتسلق على النصوص من أجل إنجاز دراسات الهدف الأول والأخير منها هو الحصول على شهادة ماجستير أو دكتوراة أو بحوث ترقية, دون سعي من الجامعات لتبني وطباعة تلك الرسائل, وفي المحصلة النهائية فأغلب الدراسات الجامعية ليست ذات قيمة فلسفية ورؤية منهجية, بل أغلبها دراسات انطباعية تجميعية تتناسب مع ذائقة النقد قبل قرنين من الزمان. ومع وجود كل هذه الظروف التي أحاطت وحاصرت بروز الاتجاهات النقدية فالمفترض أن تساهم في تأسيس الوعي الاجتماعي والثقافي لكنهما لا يزالان منبهرين ومتابعين للتغيرات التي تحدث في المجتمعات العولمية, كما أننا لانريد أن ننسى أو نتناسى أنه لايوجد لدينا نقاد مستقلون ومتخصصون في الدراسات النقدية, وخاصة مع ما تمليه الحياة وظروفها من تبعات وأثقال اجتماعية ومادية. كما أن للفنون البصرية دورها اليوم في سحب البساط من العديد من الأجناس الأدبية والنقدية, وبذلك يصبح المجتمع الثقافي مجتمعاً متفرجاً ومجرباً للعديد من النظريات والصراعات الجديدة دون التركيز على النقد الذي أتوقع أن يأخذ دوره بعد استقرار فكرة الديمقراطية, وفصل السلطات, في المجتمع العربي والمحلي. [email protected]