في ليلة وداعه الأخيرة، تحدث السفير المصري السابق لدى المملكة محمود عوف عن إنجازاته ليلة السبت 27 يوليو الماضي، وكان من ضمنها تصريحاً وقع على مسمعي كأزيز الرعد حين ذكر أن «تحويلات المصريين في السعودية العام الماضي بلغت 8 مليارات دولار، بمعدل 60% من إجمالي تحويلات المصريين في الخارج، وهذا الرقم يتجاوز دخل قناة السويس، ودخل السياحة، الذي يصل كل منهما إلى حوالي 5 مليارات دولار».شدني ذلك التصريح منذ حينه إلى تسليط الضوء نحو حجم وأوضاع الحوالات المالية التي ترسلها العمالة الوافدة للخارج، حيث تشير آخر الإحصائيات الصادرة عن البنك الدولي بأن المملكة تحتل المركز الثاني عالمياً من حيث حجم الحوالات الصادرة إلى الخارج التي قدرت خلال العام الماضي بحوالي 110 مليارات ريال، كما أنها ظلت تزداد اضطراديا خلال السبع سنوات الماضية بمعدل متوسط 8.5 مليار ريال سنوياً وبزيادة قدرها 61 مليار ريال منذ عام 2004م. هذه الحوالات تجاوزت 20% من موازنة الدولة، بينما في المقابل فإن الولاياتالمتحدة صاحبة المركز الأول في إجمالي الحوالات الخارجية للعام الماضي بقيمة 195 مليار ريال، لا تشكل لها هذه القيمة سوى 1% من موازنتها، وهو أمر ذو دلالة واضحة بأن اقتصادنا الأكثر تأثراً بالسلب من الحوالات الصادرة للخارج على مستوى العالم.هذه النتائج بلا شك لها مردود سلبي على الاقتصاد الوطني ويجب أن تدفع الجهات ذات العلاقة نحو العمل على تفعيل خطط قصيرة المدى بجانب الاستراتيجيات طويلة المدى لمجابهة قضية «المليارات المهاجرة». ولا نغفل أن وزارة العمل تحركت إيجابياً خلال العامين الماضيين وأطلقت برامج «نطاقات» و»حافز» و»الجدارات» لدعم التوطين وتقليص العمالة الوافدة التي قاربت حاجز ال 9 ملايين نسمة أي ما يعادل نصف عدد السكان ممن هم فوق سن 15 عاماً، ولكن على الرغم من تصريح معالي وزير العمل لصحيفة (عكاظ) مؤخراً بأن «نطاقات» ساهم منذ انطلاقه في توظيف 380 ألف مواطن، إلا أن الوزارة نفسها وافقت على إصدار 80.4% من طلبات تأشيرات العمل التي أصدرت العام الماضي بمعدل مليون و173 ألف تأشيرة!!الخبراء والمحللون خرجوا بعجينة حلول منطقية تلخصت أولوياتها في إضافة ضوابط وتشريعات تحد من نزيف حوالات العمالة الأجنبية، توطين الوظائف ومكافحة البطالة، خلق فرص وتسهيلات استثمارية للعمالة من أجل توطين الأموال، دعم المعاهد التقنية لتوفير عمالة وطنية في المهن الفنية بالقطاع الصناعي، بالإضافة إلى دعم مكافحة التستر للحد من اقتصاد «الظل» الغني بالاستثمارات غير المشروعة.وربما تكون من الحلول السريعة عدم التضييق على العمالة الأجنبية في جلب ذويهم (الزوجة والأبناء) لضمان توطين نسبة من الحوالات الخارجية، بالإضافة إلى زيادة الرسوم المفروضة على الحوالات الخارجية وتجيير قيمة هذه الرسوم حسب كل القنوات القانونية الممكنة لتغطية تكاليف برنامج مثل «حافز» بدلاً من تكفل الدولة بذلك.وعليه.. الوضع الحالي لايزال مشجعاً لزيادة العمالة الأجنبية وحوالاتها الخارجية، حيث أشارت استطلاعات رأي عالمية صدرت مطلع العام الجاري إلى أن المملكة هي خامس أفضل وجهة للمهاجرين حول العالم وأن 31 مليوناً يرغبون في الهجرة إلى السعودية، ولذلك يجب التحرك العاجل لتفعيل بعض من الحلول الجادة في هذا الشأن قبل أن تلتهم «الحوالات المالية» الصادرة إلى الخارج الحصة الكبرى من موازنة الدولة.