تطرح أزمة “الفيلم المسيء” للرسول الكريم، وما تَبِعها من احتجاجات تحولت في بعض الدول إلى أعمال عنف كما جرى في مصر وليبيا واليمن، قضية شديدة التعقيد، وهي “كيف نغضب لمقام الرسول؟” طالما أن هناك مجموعات غربية متطرفة تصر على الإساءة لمشاعر المسلمين ومعتقداتهم تحت عنوان “حرية التعبير”. بدايةً، يمكن الجزم بأن الطريقة التي احتج بها آلاف الغاضبين من الفيلم المسيء في بنغازي والقاهرة وصنعاء لم تعد بأي فائدة تُذكر على قضيةٍ عادلة، وهي “الدفاع عن المقدسات الدينية”، على العكس، أساءت هذه الأساليب التي اعتمدت العنف والاقتحام والحرق إلى منتهجيها الذين حاولوا الدفاع عن الإسلام فإذ بهم يلجأون إلى أدوات هي أبعد ما تكون عن تعاليمه التي تنهانا عن الغضب، وتؤكد أنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وقد كان من الممكن أن يلتزم الشباب المسلم بالاحتجاج السلمي، فتصل رسالتهم على الفيلم البغيض بجانب رسالة أخرى مفادها أن خُلق المسلمين يدفعهم إلى تأمين من يعيشون على أرضهم من ممثلين للدول الغربية المخالفين لهم في العقيدة إلى الغرب، أما القتل وخرق سلمية الاحتجاج فليس فيه “نصرةٌ للإسلام”. إن تكرار الإساءة للإسلام يجعل من الضروري أن تجتمع المرجعيات الدينية في الدول الإسلامية على إعداد استراتيجية مستدامة لمواجهة هذا النوع من الإساءات – التي قد تتكرر مستقبلا – دون استنزافٍ لجهود الشباب المسلم في كل مرة وبعثرتها دون جدوى، وهي مسؤولية تقع أيضاً على الحكومات، وهو المعنى الذي ذهب إليه اتحاد علماء المسلمين في بيانٍ له أمس. كما تبدو مكونات المجتمع الدولي والمنظمات العالمية مُطالَبة بإعادة تعريف مفهوم حرية التعبير وحدودها، إذ لا يصح أن يتعرض العالم لأزمات بسبب إصرار بعض المتطرفين على الإساءة للأديان والمقدسات بحجة أن حرية التعبير تتيح لهم ذلك. أما قوى المجتمع المدني والمنظمات غير الرسمية في العالم الإسلامي فتقع عليها مسؤولية كبيرة في التعريف بحقيقة الإسلام، والرد العملي على الإساءة له، بدحض الأكاذيب المروَّجة عنه، وإجلاء صورته على حقيقتها من خلال المبادرات الفعالة والمتحضرة.