الرياض – خالد الصالح آل الشيخ: أثبت التاريخ أن الحوار أفضل الحلول لتفريغ الاحتقان. عشقي: السنة والشيعة متفقون في الجذور ومختلفون في الفروع. آل زلفة: نحتاج إلى اختيار المعتدلين من بين كل المذاهب. قال مثقفون وأكاديميون ل «الشرق» إن دعوة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، في خطابه في افتتاح مؤتمر التضامن الإسلامي الذي أقيم أواخر رمضان الماضي في مكة، تؤسس بالفعل لمرحلة من التفاهم والتعايش بين أتباع المذاهب الإسلامية، وسيكون للمركز أكبر الأثر لتلاحم الطوائف كافة في المملكة. تعايش سلمي د.أنور عشقي واعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والبحوث، الدكتور أنور عشقي، أن فكرة إنشاء مركز حوار المذاهب لم تأت إلا بعد ظروف عدة، كان أولها النجاحات في مراكز الحوار الوطنية السابقة «مركز الحوار الوطني، ومركز حوار الأديان»، التي حققت نجاحات كبيرة، مشيراً إلى أن التعددية في الآونة الأخيرة أصبحت خيراً وليست شراً، وطالما أن لدينا تعددية من الممكن الاستفادة منها طالما أن الحوار الأساسي هو التعايش السلمي بين كل الأطراف، وأيضاً لدواعي الوحدة الوطنية، وقال «من ظروف إنشاء المركز، أن أي دولة لديها وحدة وطنية ولديها عدالة اجتماعية هو وطن متطور في مقدوره مواجهة كل التحديات». عدالة اجتماعية وأضاف عشقي «الأمة الإسلامية تعاني من تفرقة، بسبب اختفاء الحوار بين الأطراف واختفاء التفاهم، والأمر الثاني أن الوسطية غير مفعلة تماماً، والأمر الثالث أنه ليس لدينا عدالة اجتماعية، وما إن تتحقق هذه الأمور أصبحت بلادنا، قوية ومتماسكة». وأشار عشقي إلى أن جذور هذه الفكرة كانت موجودة منذ أيام الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما قدم إلى المدينة ووجد اليهود والنصارى والوثنيين، فأدى لهم حقوقهم، وأجرى حواراً معهم جميعاً، ولم يستطع أن يدخل جميع القبائل إلى الإسلام إلا عن طريق الحوار، ولم يسمح أن يؤثر المنافقون على المسلمين، حتى بعد أن اجتمع جميعهم على الإسلام في الجزيرة العربية. وأكد عشقي أن السنة والشيعة متفقون في الجذور، ولكن يختلفون في الفروع، ولابد من إعادة الأمور إلى جذورها، خاصة فيما يتعلق بالدين، لكن في باب المعاملات والثقافة والحضارة، أشار إلى أنها نتاج بشري، تتضافر فيها العقول وتتفق معها، واصفاً الحضارة الإسلامية بأنها لم تعتمد على الإسلام فقط، بينما اعتمدت على أناس غير مسلمين، مع حفظ الثوابت العدلية، مبيناً أن عدم الحوار بين الأطياف هو التطرف بعينه، لأن المتطرف هو من يرفض الحوار دوماً. الهدف هو التفهم وأكد عشقي أن سنة واحدة كفيلة للمس الفارق الكبير وقطف ثمار الحوار بين المذاهب، فيما لو كان هناك عمل حقيقي، قائلاً: يجب أن لا نعتقد أن الطوائف ستجتمع على كلمة واحدة، لكن على الأقل أن يتفهم بعضنا بعضاً». وعن التدخلات الخارجية، سواء من إيران، أو غيرها، في سبيل تخريب هذا المشروع، طالب عشقي بضرورة دخول إيران في الحوار أيضاً، وفيما لو لم تدخل فإنها لن تضر المشروع بشيء، ولن تستطيع. تفريغ الاحتقان وقال الكاتب الصحفي، محمد آل الشيخ إن هذا الحوار هو أفضل الحلول لتفريغ الاحتقان، وهذه حقيقة أكدتها التجارب، وأثبتها التاريخ مراراً. مؤكداً أن الملك عبدالله كان أول من شرع مؤتمرات الحوار في المملكة، حيث رفع نتيجة لذلك سقف الحرية الصحفية، مشيراً إلى سماع أصوات وقراءة آراء لم تكن تسمع ولا تقرأ في السابق، حيث كان هذا بعد أن ثار لغط ومشاحنات في البلد حول القاعدة والإرهاب، ومحاولات أطياف المجتمع الفكرية في إثارة زاوبع من شأنها تمزيق النسيج الوطني؛ قائلاً «كانت مؤتمرات الحوار أفضل السبل التي وضحت بعض المواقف، وقربت بين التيارات، وضيقت شقة الخلاف، وبالتالي بدأ الاحتقان يخف شيئاً فشيئاً، حتى أصبح الرأي والرأي الآخر أمراً مقبولاً نسمعه في مجتمعنا، سواء في وسائل الإعلام المحلية، أو في مؤتمرات الحوار التي جمعت بين كل الأطياف الفكرية، دون إقصاء، أو تهميش». مبيناً أن مبادرة الملك عبدالله في رفع سقف الحريات الإعلامية، وإقرار مؤتمرات الحوار، وتفريغ الاحتقانات، وسماع الأصوات المُهمشة، كانت بمثابة السد المنيع للملكة». وقال «دع الناس يتكلمون، يتحاورون، يختلفون، أنصتْ إليهم تكنْ بممارساتك هذه أنجزت 50% من تفريغ الاحتقانات، والبقية في الممارسات والإصلاحات الملموسة على الأرض»، لافتاً إلى أن الكبت وتكميم الأفواه، وعدم الإصغاء لمطالب الناس، لا يمكن أن يمر، حيث ستكبر وتتضخم القضايا، وقد تتفاقم حتى تتحول إلى ما يشبه برميل البارود الذي يحتاج فقط إلى شرارة لينفجر. معيار المواطنة محمد آل الشيخ وكان آل الشيخ قدم التغريدة التي أطلقها مؤخراً عبر حسابه في تويتر، التي قال فيها «أن تصبح الرياض مقراً للحوار بين المذاهب الإسلامية، يجب أولاً تجريم الطائفية نظاماً؛ فلا يمكن أن تحارب المخدرات مثلاً وهناك من يبيعها في بلدك!»، فقد فسرها بأن الوطن بات يعيش في الآونة الأخيرة بمماحكات بين أتباع المذاهب وبالذات المذهبان «السني والشيعي» على مستوى الأمتين العربية والإسلامية، وقد تتطور تبعاتها إذا لم يتدخل الحكماء إلى نتائج كارثية. فأينما وجدت مذاهب وطوائف في بلد عربي، أو إسلامي، وجدت أن بين هذه أتباع المذاهب والطوائف مشاحنات واتهامات تزيد من حالة التوتر، وتجعل اللحمة الوطنية داخل البلد الواحد معرضة للتمزق، موضحاً أن الوطن لكل من يعيش فيه، وهو بوتقة التعايش، بغض النظر عن المعتقدات المذهبية والطائفية، فالمواطنة يجب أن تكون المعيار، وليس المذهبية، ولا يمكن أن ينفع النصح والإرشاد والنوايا الحسنة في محاصرة المماحكات والمشاحنات الطائفية، إلا مع وجود قانون يُجرم إثارة الفتنة المذهبية، أو الطائفية، وعقاب من يقتحمون هذه الحساسيات. وأشار آل الشيخ إلى أنه غني عن القول أن الشريعة الغراء تعتبر إثارة الفتن من الإفساد في الأرض، متسائلاً: «لماذا لا يتوّج موقف الشريعة الحازم والقوي من إثارة الفتن بإصدار قانون يُجرمها، ويُعاقب مرتكبيها قبل أن نبدأ في الحوار؟». إسلام معتدل د. محمد آل زلفة ويرى عضو مجلس الشورى السابق، الدكتور محمد آل زلفة، إلى أن فكرة خادم الحرمين عندما دعا إلى إنشاء المركز كانت في محلها، لكن تحتاج إلى الإعداد الجيد واختيار المعتدلين من بين كل المذاهب، وإبعاد المتشددين والمتزمتين من أي مذهب كان، مطالباً بحوار حضاري وثقافي، إسلامي معتدل، يؤمن بالتنوع، داعياً إلى إلغاء الأصوات التي كانت تتحدث في السابق من خلال هذه المراكز، ودعوة أناس غير متطرفين، قائلاً «أتمنى أن يكون من ضمن أهداف المركز التعايش بين المذاهب، وإذا حصل هذا الأمر فإن هذا جل ما نريده، لأنه من الصعب تغيير مذهب الشيعي إلى سني، أو العكس، ولكن كيف نستطيع أن نتعايش مع بعضنا بعضاً، مع عدم استخدام الآراء المتطرفة لتأجيج المشاعر». خطاب سياسي وقال آل زلفة «هناك خطاب رسمي سياسي من دولة تقول إنها مسؤولة مسؤولية كاملة عن جميع الشيعة في جميع البلدان، متسائلاً «من سيمثل الشيعة؟ هل سيمثلهم الجناح الإيراني المتشدد، وهل ستخرج من الشيعة فئة معينة مستهدفة من قبل متزمتين ومتشددين ممن يريدون أن يوظفوا المذهب لأغراض سياسية؟»، مؤكداً في الوقت ذاته أن هناك فئاتٍ سنية متشددة لا ترى أن الطرف الآخر على حق في أي جزئية مهما كانت». الحمد ل الشرق: أكاديميون وخطباء منابر ومعلمون طائفيون وينشرون الفتنة أشاد الكاتب السعودي الدكتور تركي الحمد بمبادرة مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية، الذي دعا له خادم الحرمين الشرفين، وطالب بالارتقاء بالوعي العام في مسألة الطائفية، لافتاً إلى أنه مهما تعددت الطرائق والوسائل للحد من تشتت الطوائف داخل المجتمع السعودي لن يكون هناك أي حل جذري طالما أن العقل مبرمج على الطائفية، مبيناً أن علاج هذا الأمر وتقبل تعددية الطوائف قائم على التعليم، وقال «ينبغي البدء في تعليم النشء الجديد المفاهيم الحضارية ومعاني التسامح، لتكون لبنة قوية لدى جيل الأبناء، وذلك بإنشاء عقول جديدة لا تعتقد بالطائفية وتؤمن بقيم التسامح وبالقيم الحضارية، فإذا لم نفعل ذلك فإن كل ما نفعله سيبقى فوق السطح ولن يكون تأثيره كبيراً». مشيراً إلى أهمية المركز في تهذيب الكثير من دعاة الفتن، الذين لهم مصالح مختلفة في إلقائها، وقال «أعتقد أن هؤلاء الذين يخطبون في المنابر هم من يصطادون في الماء العكر، لذلك فإن محاربتهم لابد أن تكون محاربة ثقافية معرفية، وهذا لا يأتي إلا من خلال بناء أجيال جديدة قائمة على الاعتراف بجدوى التعدد الطائفي، ونجد أن القائمين على تعليم أطفالنا وشبابنا هم أنفسهم طائفيون، وينشرونها بشكل أو بآخر، إضافة إلى الإعلام الحديث خاصة «تويتر» الذي يستخدمه عدد لا بأس به من الأكاديميين والدعاة المعروفين في الجامعات وغيرهم بنشر الطائفية والفتنة، وأضاف: «يجب أن تكون هناك قوانين تجرم المواقف الطائفية التي أحدثت كل هذه الأزمات». مؤكداً أن هناك رؤوساً كبيرة بين السنة والشيعة على حد سواء، دعت للطائفية على حساب الوحدة الوطنية، وهذا يجعل أن نطالب بفرض قوانين تجريمية بكل من يفرق بين أبناء الوطن الواحد. بن بيه: خادم الحرمين سيجهز الأدوات المناسبة لتحريك هذا الحوار بشكل إيجابي يعود على الأمة بالخير جدة – نعيم تميم الحكيم د.عبدالله بن بيه أكد نائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، عضو المجامع الفقهية، الدكتور عبدالله بن بيه، أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية في الرياض جاءت في محلها. وأشار إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين هي دعوة متقدمة وحضارية ولها فعل كبير، لأنها صدرت من الملك عبدالله الذي يُنظر إليه على أنه خليفة المسلمين، وستعطي للحوار دفعة كبيرة للأمام، ليس على غرار ما تقوم به بعض الهيئات والمؤسسات الإسلامية من حوار بسيط، فهذه الدعوة ستكون أكثر شمولية وأشد قوة، ولا يمكن لعلماء الأمة إلا الترحيب بهذه الدعوة واعتبارها منطلقاً لاختبار النوايا لأصحاب المذاهب الأخرى. وشدد بن بيه على أن خادم الحرمين رجل معروف بميله نحو التعامل الإنساني والتعايش والإخاء، والحوار هو خير وسيلة لتحقيق هذه الأهداف، خصوصاً أن القضية ذات عمق كبير. وأضاف بن بيه «حتى تنجح مثل هذه المبادرات يجب أن يبحث في مثل هذه الحوارات عن المشترك بين المذاهب والبعد عن مواطن الخلاف». وأكد نائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين على أن الحوار هو لخدمة الإنسانية والدين ولإنقاذ البشرية والدعوة للتعايش السلمي، فلا بديل لنا لحل مشكلاتنا في هذا العالم من حروب وعنصرية وقتال وسفك للدماء إلا بالحوار الإيجابي الذي يبحث عن القواسم المشتركة، وهذه الدعوة استبطنت هذه المعاني وهي دليل على فهم عميق لدى خادم الحرمين الشريفين. وحول تفاعل أصحاب المذاهب الأخرى، قال بن بيه «هناك من أصحاب المذاهب الإسلامية عقلاء يمكن أن نحاورهم ونخرج بنتائج إيجابية وفعالة». وأضاف بن بيه «نحن نحاور الجميع ونركز على العقلاء منهم، لأن أمثال هؤلاء قد يشكلون دافعاً لإغراء البقية في دخول الحوار، خصوصاً ممن يريدون الصدام بين المذاهب، فمثل هذه الحوارات تقطع الطريق على هؤلاء الفئة وتفشل مخططاتهم». وأكد بن بيه على أن المبادرة تستحق أن يتعامل معها الناس بكثير من الاهتمام والتجاوب. وخلص بن بيه «حتى نضمن نجاح هذه المبادرات لابد من اختيار الرجال الأكفاء الذين يملكون العلم الشرعي ولهم خبرة في الحوار ويراعون مصالح الأمة، وخادم الحرمين بالتأكيد سيجهز الأدوات المناسبة لتحريك هذا الحوار بشكل إيجابي يعود على الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء بالخير والسلام».