حسين مفرح الفيفي في رحاب دين يعتني بكل ما دق وجلّ في حياة الفرد والجماعة. اعتنى الدين الحنيف بالروابط الاجتماعية، وقوض كلّ ما يؤدي للفرقة والشتات سواء داخل أصغر لبنات المجتمع ممثلة بالأسرة، أو ما هو أكثر وأكبر حتى وصل إلى العلاقة الأممية. ما يعنينا هنا وما أنا بصدده العلاقة بين المسؤول أيا كان موقعه، والمستفيد من خدماته من المواطنين، وكيفية إدارة تلك العلاقة بحميمية تحقق كل ما يأمله المواطن ويحقق أهداف المسؤول في تنفيذ عمله بشكل راقٍ وحضاريّ يحفظ كرامة المواطن وهيبة النظام الذي يمثله المسؤول، ويسعى لتنفيذه بطرق احترافية فيها كل من يحتاج، للمساعدة بكل صدر رحب وابتسامة صافية تجعل المراجع يشعر بالراحة لحين تلبية مطالبه وإن امتد انتظاره لساعات. كتب الله وساقتني الأقدار خلال بداية هذا الشهر الكريم أن التقي بأحد مديري الدوائر الحكومية الخدمية الإنسانية في منطقة جازان، وخلال فترة وجيزة شاهدت نموذجا راقيا ومثالا يحتذى في التعامل الحضاري مع مرتادي دائرته التي تخدم المئات يومياً من مختلف فئات المجتمع ومن كافة الأعمار من الجنسين. ندرك جميعاً أن شهر رمضان والصوم قد تم الترويج له بطريقة خاطئة من ناحية أن الناس وهم يشعرون بالجوع والعطش، وخاصة في مثل أيامنا هذه في فصل الصيف حيث تكون أعصابهم أقرب للانفلات في حين ترتفع أصواتهم ويزيد تذمرهم. وأنا لا أسلم بأن ذلك هو من المقاصد التربوية لكن ذلك مما تعارف عليه الناس إلا من رحم الله. في ظل هذه المعطيات يكون الاختبار أكثر قسوة وأشد حدة على من يتعامل مع سيل من البشر جاء يتصبب عرقاً ويلهث لعله يجد موطئ قدم بين هذه الحشود، وفي مخيلته إنجاز معاملته في دقائق معدودة. وفي ظل العشوائية بين المراجعين وعدم الهدوء والتقيد بالتنظيم في طوابير الانتظار. ترتفع الأصوات وتتعالى بدخول أفواج جديدة، يحمل كل واحد هماً ووضعاً مختلفاً عمن بجواره، يزيد الزحام، ويزيد الطرْق على الأبواب البعيدة عن نوافذ تقديم الخدمة، كلّ يحاول بمختلف الطرق الوصول لمبتغاه في إنهاء ما جاء من أجله بعيداً عن صفوف الانتظار رافضاً الانتظار وأخذ دوره للوصول لنوافذ الموظفين، كل يقدم أعذاراً ومبررات حتى يصل في النهاية لرفع الصوت والتذمر، وقد سمعت أحدهم -هداه الله- يطلق ألفاظا لا تليق في غير رمضان فكيف وهو صائم، جاء بعده بثوان، آخرُ يهدد ويتوعد بطرق استفزازية، حتما إن ذلك ناجم عن ضغوط حقيقية ولا أعتقد أن ذلك يعد من الطرق المبتكرة لإنهاء إجراءاته قبل من سبقه في الحضور من الصباح الباكر! كل هذه الحالات وغيرها تتكرر يوميا، فهي بحاجة لتعامل مختلف وحسّ إنساني وأخلاقي راق يعيد لكل حالة اتزانها وهدوءها لحين خدمتها بما لا يزيد الوضع سوءاً، أو يؤثر على بقية المراجعين في الحفاظ على حقوقهم بأسرع وقت ممكن. شاهدت بنفسي كل ما سبق وهذا المسؤول خارج مكتبه، المكان المخصص لعمله ليعالج كل حالة على حدة، بهدوء لافت وأسلوب حضاري . يهدئ النفوس ويرد على كل تساؤل بطريقة جعلت من كان قبل دقائق يكيل الشتائم ويرفع الصوت ويهدد ويتوعد، يعود لهدوئه متفهماً حقيقة الأمر منتظراً دوره بهدوء وقد تبدل حال الثوران إلى هدوء. ما شدني ورغبت في إيصاله لكم هذا النموذج المشرف الذي أسأل الله أن أراه في كافة المواقع الحكومية والخاصة. مع اليقين أن ذلك من أوجب واجباته وفي صلب عمل من يراقب الله في ما أوكل له من أمانه، ليتمتع المواطن الذي تكرمه حكومتنا بكافة الخدمات وفق ما تريده هذه الخلافة الراشدة على هذا التراب الطاهر. حاولت أن أعرف مقومات هذا التعامل الراقي والهدوء اللافت من خلال حواري معه، ففي اعتقادي أن هذا النموذج ينبغي تعميمه والاستفادة من خبراته إدارياً وخدمياً، وأن ما يقدمه يستحق الإشادة والتكريم وإنصاف هذه الطاقة الوطنية بما تستحق ليستمر العطاء ويزيد من الجهد لخدمة وطنه. وكما ذكرت سابقاً في أبجديات التعامل مع الناس، نلج في قالب هذا التميز والسيطرة والرقي في التعامل مع مئات الأشخاص من مختلف الخلفيات العلمية والعمرية والأسرية من خلال رأي صاحب هذا التميز. وإن سلّمنا بوجودنا في مجتمع واحد وثقافة واحدة لكن أن تصارع جميع التصرفات المنبثقة من اختلاف في الطبائع ونتاج متغيرات في النفسيات تحت مختلف الظروف الوقتية والمناخية والمخالطة للطاقات الروحية . كل ذلك يحتاج بالضرورة لدراية وتركيبة جسمية ونفسية مع يقيننا بأن الوازع الديني عامل مهم في التعامل الحسن مع من تقدم لهم الخدمة على غرار مبادئ العمل الجماعي ومن موقع القيادة. هذا المسؤول الذي حدثتكم عنه هو الأستاذ سامي علي حملي، مدير مكتب ضمان جازان بالإنابة، دار بيني وبينه حوار مقتضب فهمت منه حصوله على عديد من الدورات في مجال التعامل الأمثل مع المراجعين، لكن ما شاهدته يتجاوز التحصيل العلمي من خلال دورات بسيطة، ففي اعتقادي أن ذلك الدور التربوي الذي تلقاه في نشأته له أثر كبير في صياغة هذا الخلق ليخرج للناس كما شاهدت ولا أزكيه على الله. شدني وأثلج صدري هذا النموذج الذي أحببت أن أنقل لكم بعض جوانب ما شاهدته سائلاً الله أن نرى نماذج كهذا النموذج تعم ليعم التعامل الراقي في كل ما يمس المواطن ويخدم الوطن.