تداعت في السنوات الأخيرة قضية «المعقبين» في المجتمع السعودي، وباتت قضية شائكة، فعلى الرغم من حاجة الإفراد لهم إلا أنه بات أمراً ملحوظاً تذمر المعقبين أنفسهم من سوء معاملة المسؤولين وإنجاز مهامهم بصورة سريعة، وكأنهم درجة ثانية من المجتمع. فكل الأمر أنهم يسعون لإنجاز معاملات المواطنين لدى الوزارات والمصالح الحكومية، والمؤسسات العامة المختلفة، ومؤسسات وشركات القطاع الخاص، وفي هذا التحقيق نلقي الضوء على جزء من حياة هؤلاء المعقبين، ومدى تعاون الجهات الحكومية معهم، وفروق تعامل الجهات الحكومية معهم. ففي دائرة الأحوال المدنية لم نجد معقبين بالمعنى الحقيقي، بل اقتصر دور من وجدناهم على تقديم خدمات بسيطة يكسبون من ورائها بضع الريالات من خلال ملفات أو نماذج تعبئة البيانات للمواطنين يقومون بملئها لهم وفقاً لما ترتضي به الجهة. فمن خلال بوابة الأحوال المدنية في الرياض يقول «أبو محمد»62 سنة: إنه لا يكسب من مهنته هذه سوى ستين ريالاً في أكثر الحالات، ولكنه يشغل وظيفة أخرى مساندة لوظيفته الصباحية، حيث يعمل كموظف لدى شركة حراسات أمنية في فترة المساء، وذلك نظراً لظروف الحياة وصعوبتها التي جعلته لا يكتفي بدخله سواء من المكان الذي يتحدث منه أو من عمله الآخر في مجال الحراسة الذي يكسب منه راتب ضعيف للغاية على حد قوله. كما يؤكد حسن الحارثي 25 سنة، أن النظام في الأحوال المدنية ليس كباقي القطاعات الحكومية، حيث إن عملهم هنا يقتصر فقط على «تقديم الخدمات» للمواطنين دون التعقيب عليها وإنهاء إجراءاتها، وذلك بسبب الخصوصية التي تحملها هذه الدائرة من معلومات خاصة للمواطنن لذا يقول حسن: «نحن هنا فقط نقوم بتجهيز أوراق المراجع لكي يدخل للأحوال المدنية وينهي إجراءاته بالكامل، ولا نستطيع أن نقدم خدمات أخرى غير هذه للمواطنين إلا إذا منحنا وكالة شرعية من قبل المواطن بإنهاء إجراءاته». كما عبر الحارثي عن مدى حزنه الشديد من وظيفته الأساسية ومصدر رزقه الوحيد الذي قد يخرج منه بحظ ونصيب أكبر من نصيب «أبو محمد» حيث يكسب يومياً كحد أعلى 150 ريالا. مؤكداً أن هذه الطريقة الوحيدة التي يسعى من خلالها بالكف عن طلب الناس، وذلك بعد عجزه عن إيجاد مهنة أخرى. ويحكي أحمد العتيبي 28 سنة، صاحب مكتب تعقيب معاملات أمام جوازات منطقة الرياض، أنه يقوم بالتعقيب على المعاملات بنفسه يومياً، حيث إنه يستفيد مادياً من 3 إلى 4 مواطنين كمتوسط المقبلين على مكتبه، ويضيف العتيبي قائلاً: إن دائرة الجوازات تشترط علينا أن نكون مفوضين ومصدق لنا من قبل الغرفة التجارية من قبل المواطنين لإنجاز معاملاتهم. بينما وجد العتيبي حيلولة يرجع لها دوماً عند إنجاز معاملاته من خلال معارفه من مسؤولين داخل «الجوازات» يسعون لمساعدته على إنجاز معاملاته بشكل سريع، قائلاً: «الذي لا يعرف أحد يمسك الدور مثله مثل باقي الناس وينتظر ساعات طوال». من جهته يقول أبو عبد الله 45 سنة، معقب لدى دائرة الجوازات و وزارة العمل موضحاً الفروق في التعامل بين الجهتين، حيث يقول في الأيام الأخيرة تعدلت الأمور وتحسنت كثيراً لدى «دائرة الجوازات» حيث خفت الزحام لدرجة كبيرة، مرجعاً ذلك بسبب تولي دائرة الجوازات خدماتها عبر الإنترنت من الحجز وأخذ المواعيد، كما أن النظام العسكري على حسب قول أبو عبد الرحمن أنه نظام محدد وملزم بوقت دقيق للدوام، لكن يقول: «في باقي الدوائر ما زلنا نعاني معها في تعاملنا كمعقبين مثل وزارة العمل، حيث نجد أن تعامل المسؤولين فيها سيئ للغاية لكونهم موظفو «شركات» برواتب ضعيفة للغاية ينتج عنها تقاعس في العمل، ومستوى متدنٍ في إنجاز المهام من قبل الموظف، فالانتظار هناك لإنجاز معاملة واحدة فقط قد يستغرق لساعات طوال. من جانبها هاتفت «الشرق» المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل حطاب العنزي، للإدلاء عن سبب تعامل موظفي الوزارة المتدني مع المراجعين والمعقبين بهذه الطريقة، إلا أنه أجاب بأنه خارج البلد، ولا يستطيع التحدث. في حين أشار «أبو خلف» خمسين سنة إلى أن مكتبه الذي يمتلكه بقيمة إجار 76 ألف ريال للسنة الواحدة لا يدخل رأس ماله، بحيث «يتسلف» في أغلب الأحيان ليدفع أيجار المكتب، وذلك لضعف القبول من المواطنين لهذه المكاتب، مرجعاً ذلك لنظرة المجتمع لهذه الفئة من الناس التي لا تسعى إلا للكسب أولاً وأخيراً، موضحاً أن ما يقارب 90% من المكاتب الموجودة في هذه المنطقة ليست مرخصة وليست نظامية، مطالباً لجان تقوم بالكشف عن المكاتب المخالفة، ويقول: «في بعض الأيام لا يأتيني أي زبون وعندما يأتي الزبون وأقوم بمراجعة الجوازات لإنهاء معاملته أجد أن الأجهزة وأنظمتها متعطلة في كثير من الأحيان، مما يؤدي إلى تعطلي عن الكسب وتعطل المواطن في استلام معاملته في الوقت المطلوب». كما نفى «للشرق» خالد الراجحي صاحب مكتب عقار في نفس المنطقة ما ذكره «أبو خلف» صاحب مكتب التعقيب بقوله أن 90% من المكاتب هنا غير مرخصة، وغير نظامية، مجيباً أن جميع المحال هنا مرخصة ولديها سجل تجاري ونظامية 100%، وزاد قائلاً: «لا مشكلة لدينا في مجيء اللجان المسؤولة سواء من قبل من الأمانة أو غيرها للتأكد من الأمر».من جهته صرح المتحدث الرسمي باسم جوازات مديرية الرياض العقيد بدر المالك، أن جوازات منطقة الرياض يوجد لديها عملية تنظيمية لمكاتب المعقبين، بحيث لا بد أن تكون مرخصة وأن تستوفي الشروط الخاصة بها، كما نفى وجود أي عمليات انتظار طويلة للمعقبين والمواطنين وليس بصحيح ما يرد عن بعض المعقبين أنهم ينتظرون منذ الفجر لحجز رقم فالوضع قد تغير وأصبحت العملية ميسرة. حيث أصبحت المعاملات تنجز في نفس اليوم وتسلم لاصحابها. المراجعون أمام مبنى الأحوال المدنية، وفي الإطار نماذج الأحوال المدنية المقدمة للمراجعين