كثيراً ما قلتُ -وغيري قالَ أكثر- بأنّنا: الأجدرُ من السّلفِ في أنْ نتبوأ َ مكانتَهم منازل في: «القرونِ المفضلةِ»! ذلك أننا أشدُّ منهم في بابِ التحوّطِ تورعاً، ولئن شئتَ.. لرأيتَنا خُشّعاً في كلّ: «لوكشن تصويرٍ متلفزٍ» قد اتخذنا من الزهدِ لنا شعاراً، ومن السكينةِ هيبةً ودثاراً، وأحلنا الوقارَ فطنةً ودهاءً و(بلغة العصرِ أسْراً للمتلقي و: «كاريزما»)! وإنْ تحدثنا للملأ فتياً أو نصيحةً سريعةً.. استجْمعْنَا لهُ البكاء ابتغاءَ التأثيرِ ذريعة ً.. وجعلنا من محضِ أقوالِنا وأفعالِنا شريعةً.. وكُنّا سِلماً لمن ارتضَانا وعانقْ.. وحرباً على مَن خالفَنا ولم يُوافِقْ! ما مضى شيءُ جدّ يسير ممّا (نحنُ)عليه، وهذا وحده كفيلٌ بأنْ ينتقلَ بنا دفعةً واحدةً .. إلى أنْ نزحَزِحَ «أربابَ القرونِ المفضّلةِ» عن مقعدِ صدقِهم بحُسبانِنَا الأَوْلى منهم فيه..! يُمكِنُ القول: إنّهُ ليسُوغ لأيِّ أحدٍ فيكم أنْ يظنَّنِي -باديَ الرأيِ- قد اجترحتُ موبقاُ من القولِ، وذلكَ بما توسّلتُهُ مِنْ مفرداتٍ لمْ أسقْهَا إلا ابتغاءَ إسقاطِها عنْوةً على أفعالٍ شائهةٍ، لم تَسْلم منها كثيرٌ مِن ممارساتِنا، في حين يسوغ لآخرينَ أنْ يقرأْوا ما كُتِبَ بحسٍّ آخر دونَ توجسِ خيفةٍ، وبخاصةٍ لمّا أنْ يتأمَلوا الآتي: جاء عند الذهبي في سيره: «.. وعن علي بن حربٍ الطائي المتوفى (265) قال : سمعتُ أبي يقول: أحبُّ أن تكونَ لي جاريةٌ في غنجِ سفيانَ بن عُيينةٍ إذا حَدّث» سير أعلام النبلاء 8/404 وهل أنّ أحداً لا يَعرِفُ من هو «سفيانُ» هذا؟!.. ولِمنْ شاءَ سيرتَه قليقرأها بقلمِ شيخِ النّقَدَة. بقي تذكيركم بشيءٍ من معان الغنج: إذ هو في الجارية تكسر وتدلل، وقيل الحسنة الكلام امرأَة غَنِجَة: حسَنة الدَّلّ. وغُنْجُها وغُناجُها: شَكْلُها، الأَخيرة عن كراع، وهو الغُنْجُ والغُنُجُ، وقد غَنِجَتْ وتَغَنَّجَتْ، فهي مِغْناجٌ وغَنِجَة؛ وقيل: الغُنْجُ مَلاحَة العَينين. وفي حديث البخاري في تفسير العَرِبَةِ: هي الغَنِجَةُ. الغُنْجُ في الجارية: تَكَسُّرٌ وتَدَلُّلٌ.