أحرامٌ أن يسمع الرجال صوتاً للنساء .... لا غناء فيه ولاغنج ولاخنوع ولابغاء كتبت البيت أعلاه وأنا أترجم في عقلي مايعنيه صوت المرأة في الكون ، فهو في الفيزياء موجاتٌ طبيعية تتردد في المكان أو تسافر عبر الوسائط ، وفي علم الإجتماع هو نداء أُنثى تمارس التلقائية وتملك حيزاً في الوجود ولاتستطيع الإختفاء. في قلب كل إنسان في هذا الوجود شاعر صغير يتحدث دونما استئذان كلما رأى النجوم أو عانق الحب أو تنفس الهموم ، وفي قلوب البعض شعراء كبار يتحولون إلى هوايات أزلية لرجال يكتبون أو نساء لايتوقفن عن لملمة الكلمات . أنا هنا لأكتب عن هذا المجتمع السعودي الذي يغتال الشاعرات ،أكتب بعد أن أصبح صوت المرأة في النوادي الأدبية مربوط بقلة الحياء وأسباب الإنحطاط، ورغم اتساع أفق الحياة وتعدد اتجاهاتها لا تستطيع تلك الفئة التفكير سوى بأن الشاعرة ليست إلا بيت غزلي ، وأنها ستَضيع أو ستُضيع المجتمع إن هي ألقت قصائدها، و لست أتوهم ، هناك من يتصور بأن تلك النوادي ماهي إلا نوادي ليلية إن شاركت فيها المرأة ، و إنهم لازالوا يعاكسون طبيعة الحياة التي لا يمكن أن تخلو من الأنثى .. تقول عيدة الجهني : أتمسك بالحجاب وفي حيايه ..... وأتعفف عن طواريق السفاه إنهن نساء شاعرات ومسلمات طاهرات ورغم أنهن لم يرتكبن ذنباً لازلن متهمات ، متهمات في مجتمع يرفض شعر المرأة وصوتها في نوادي الأدب والشعر. "هيه ياخُناس" ويحرك يديه مستجيباً لشعرها هكذا كان يفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الخنساء ، لقد أكرمها وقدر منزلتها ومقامها في العرب وكانت تنشد بين يديه قصائدها . ذات يوم قال عُدي بن حاتم الطائي للرسول عليه الصلاة والسلام ، يارسول الله إن فينا أشعر الناس وأسخى الناس وأفرس الناس فقال سمهم ، فقال : أشعرهم امرؤالقيس ، وأسخاهم حاتم ، وأفرسهم عمرو بن معد يكرب ، فقال صلى الله عليه وسلم : بل أشعرهم الخنساء . كان في حياة الرسول شاعرات فصيحات ، فكانت عمته صفيه شاعرة وقارئة كاتبة ، وكان هناك عاتكة بنت زيد تلك الشاعرة التي تهوى البلاغة والأدب والحفظ والرواية . حينما عشت تلك الحيرة حيرة الحلال والحرام ، كنت مقتنعة بأن الأصل في كل شيء الإباحة ، ولكنني في مجتمع يحرم هذا الكل شيء ويجعل الأصل فيه الحرام ! من وقت لآخر أسأل نفسي لمَ يحرمون ما أحل الله ! ، كل هذا لأنني أعيش في مجتمع يبحث عن الفتوى في كل تفاصيل الحياة المتناهية الصغر والتي ليست إلا جزءاً من الحياة الطبيعية الفطرية ، وأظنكم تعلمون جيداً ما أقصده فأنا لا أقصد فتوى الصلاة أو الحج وأمور الدين . حينما عشت تلك الحيرة وأنا أفهم ماكان يفعله عليه الصلاة والسلام مع الخنساء ، كنت أعرف أيضاً ضوابط الكلام مع الرجال ( (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا)) ، أخيراً إن تلك المرأة التي تنوي الخضوع والتغنج ستخضع في قولها وستتغنج بصوتها أمام كل رجل تصادفه وتلتقيه أياً كانت وسيلة الإتصال ... إننا لم نؤمر بترك المال لأننا نخشى الربا ولكن كان لكل شأن ً من شؤون حياتنا ضوابطٌ وقواعد ! ... مابيننا وبين هؤلاء الآن هو الحكم الشرعي الواضح وماعدا الحكم الشرعي من عرف وعادات وتقاليد خاصة لنا الحق برفضه ومشاكسته وحذفه من مسار حياتنا ، لنا الحق برفض مالايعجبنا (كما يفعلون ) من تلك العادات ، دون أن نهاجم معتنقيها والمستميتين فيها ، وإن وصفوا تاركها بالإنحطاط فلن نصف اتباعهم لها بالتخلف ، لهم الحق بممارستها ولنا الحق بصناعة الأعراف الجديدة . حينما قررت أن أنهي كل تساؤلاتي قررت أن أسأل الشيخ الدكتور سلمان العودة ، فقال لي : نعم يجوز . فلسفة النهاية : الشعر يكسر روتين الحديث ورتابة الدروس ،و يفتح أبواب الكلام في أشد لحظات الصمت .. هيباتيا الصغرى