محمد بن إبراهيم فايع هل هناك اختلاف بين رمضان الأمس واليوم؟ سؤال نسأله أنفسنا كلما أحسسنا بأن طعم رمضان الأمس، له مذاق خاص لم نتمكن مع متغيرات الحياة وضربات نوائب الدهر أن نستطعمه ذاك الطعم، في رمضان اليوم، هذا الرأي ليس نظرة تشاؤمية بقدر ماهو تشخيص دقيق للواقع اليوم، وفي رمضان قصص كثيرة وحكايات، تستثيرها من مكامنها أجواء رمضان أجد سُرى طيفها يعانقني تذكرا، وأنا أتفحص من حولي فأجد وجوها غابت ووجوها حضرت، ومن الحكايات الرمضانية التي عاشها كثيرون قبلنا ربما افتقدنا بعضها، الاحتفال بحلول رمضان إذ كانت البيوت قبيل حلوله بأيام، تتّزين ويعاد صبغ جدرانها ويقال له «صهرها بالجص الأبيض، وتخضيب مساحاتها السفلى بالخضار، أي تلوينها بورق البرسيم» وتبخّر «بروائح العود والجاوي، وهو نوع من أنواع البخور، ويبدأ الناس في مزاورة بعضهم بعضا للتهنئة بقدوم الضيف، ويتم التزود بحاجات البيوت من المواد الغذائية التي تصنع منها أكلات رمضان، فيتم جلبها من سوق الثلاثاء بأبها، أو سوق الخميس بالخميس، ولكل جهة سوقها وفي يوم معين، أما ماكان يروى حول مدفع رمضان في عسير، فلابد أن نذكر حكايته، إذ يقال إن المصريين أول من ارتبطوا به واستخدموه في رمضان للإعلان عن ساعة الإفطار وكذلك السحور، ونقلوا هذه العادة لعدة دول عربية وبعضهم يرجع بداياته إلى عام 859 هجرية، وبعضهم الآخر يرجعه إلى ما بعد ذلك بعشرات السنين، وبالتحديد خلال حكم محمد علي الكبير فمن الروايات الشهيرة أن والي مصر محمد علي كان قد اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية في إطار خطته لبناء جيش مصري قوي، وفي يوم من الأيام الرمضانية كانت تجري الاستعدادات لإطلاق تجريبي، فانطلق صوت المدفع مدويًا في نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة الكائنة حاليًا في نفس مكانها في حي مصر القديمة جنوبالقاهرة « قلعة محمد علي « ، فظن الصائمون أن هذا تقليد جديد، واعتادوا عليه، وسألوا الحاكم أن يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطار والسحور فوافق، وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميًا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام، ولم تتوقف إلا خلال فترات الحروب العالمية، وفي منطقة عسير يذكر كبار السن في أبها وخميس مشيط، أنهم كانوا يفطرون على أصوات مدفع رمضان في الإفطار، الذي ينطلق مع أصوات المؤذنين، ففي أبها كونها حاضرة عسير، كان مؤذن الجامع الكبير في أبها الواقع في «رأس مملح « يرفع «قطعة من القماش الأحمر ليراها المسؤول عن إطلاق قذيفة المدفع فيقوم بإطلاق القذيفة ليسمعها كل من يصل إليه صوت المدفع وتحولت «اللمبة الحمراء» بدلا من القماش بعيد دخول الكهرباء إلى أبها وماجاورها، وكانت مدافع رمضان تنصب في الجبال العالية على سبيل المثال في أبها كانت على قمة جبل شمسان، وكانت فيه قلعة تحمل اسمه، وفي أعلى جبل ذرة المعروف بالجبل الأخضر، واليوم في ظل هذا «البركان» من الحركة والزحام وانشغال الناس، اختفى المدفع أو توارى عن الأنظار وإن كان موجودا فمن سيسمعه ؟ إلا أنه يظل في ذاكرة من عاش هاتيك الأيام ولم يغادرها، ومازال الشوق يشدهم لأيام خلت عاشوها كانت تتسم بالجمال والبساطة، يتمنى أحدنا لو عادت ليعيشها ولكن هيهات، فكما قال محمود غنيم «وهيهات هذا العهد يرجع ثانيا»!