لم تفلح وسائل الاعلام والاتصالات الحديثة في ازاحة «المدفع» من على خارطة المشهد الرمضاني فظلت الآلة العتيقة صامدة تلتفت اليها انظار اهالي العاصمة المقدسة خلال الشهر الكريم من خلال الدوي المنطلق من أعلى جبل المدافع المشرف على المنطقة المركزية. يقول الرقيب سليمان علي الزهراني الذي أمضى 25عاما حارسا للمدفع وارتبط به برباط وثيق.. انهم دقيقون في تحديد وقت الافطار واعتادوا بشكل تلقائي ارسال ثلاث طلقات من المدفع تزامنا مع ارتفاع صوت المؤذن من منارات الحرم المكي الشريف لاعلام السكان بموعد الافطار وكذلك قبل السحور بساعات. ويضيف الزهراني: ان موسم رمضان يمثل بالنسبة لهم قمة الامتاع لاسيما انهم يعيشون في قمة الجبل ويطلقون من المدفع الشهير اربع طلقات زنة كل واحدة منها كيلو ونصف من الكبسولات المملوءة بالبارود. وكان المدفع من أهم الوسائل الاعلامية في بعض الدول العربية والاسلامية للاعلان عن موعد الامساك والافطار في رمضان قبل الوسائل الحديثة المرئية والمسموعة والمقروءة. فبعد غروب الشمس وقبل الافطار اعتاد المسلمون ولاكثر من 560 عاما سماع دوي مدفع رمضان قبيل افطارهم وإمساكهم. ويختلف عدد الطلقات وفقا للمراحل الزمنية في الشهر فعند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان تضرب المدافع 21 طلقة تبشيرا وإجلالا وسبع طلقات اشعارا بموعد الافطار وعند السحور تسمع طلقة واحدة. كما ان للعيد سبع طلقات وفي بعض الدول العربية 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة. وظهرت في عدد من الدول والجمهوريات الاسلامية التي خضعت للحكم الشيوعي ردحا من الزمن كيوغسلافيا وروسيا والبانيا مظاهر اخرى لتنبيه الصائمين ببدء الافطار غير الاذان عقب منعه هناك وذلك عن طريق دقات الطبول. ومدفع رمضان عبارة عن دولابين كدواليب العربات والقذيفة العائدة له عبارة عن حشوة قماش من الكتان معبأة بالبارود ومتصلة بكبسولة يضعها الجندي في المدفع ويطلقها بواسطة حبل رفيع وعقب تضرر وتأثر المنازل المجاورة بعد ذلك جراء استخدام الذخيرة الحية تم استبدالها بأخرى غير حقيقية. وتعد صيانة المدفع من الوظائف الاساسية للقائمين عليه وتبدأ بعد الاطلاق مباشرة عن طريق وضع قضيب في نهايته قطعة من القماش مبتلّة بزيت السلاح لتنظيفه من أثر الطلقة ثم تقفل حجرة الاحتراق بعد تنظيفها لمنع دخول الاتربة أو الحشرات وتتم عمليات الصيانة بنفس الطريقة على فترات دورية خلال العام للمدافع المختلفة..وبدأ استخدام مدفع رمضان للمرة الاولى قبل خمسة قرون في عهد المماليك ممن حكموا مصر وغيرها من البلدان المجاورة فمع غروب أول ايام شهر رمضان من عام 865ه رغب السلطان المملوكي «خوش قدح» تجريب مدفع كان قد تلقاه هدية من صاحب مصنع الماني وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس وكان سرور الناس عظيما بذلك فقد ظنوا ان السلطان تعمد اطلاق المدفع لتنبيه الصائمين بدخول وقت الافطار لتخرج عقب الافطار جموع من اهالي القاهرة الى بيت القاضي الذي كان مقرا للحكم آنذاك لشكر السلطان على هذه السنة الحسنة التي استحدثها رغم انه لم يكن يقصدها لكنه ما ان رأى سرور الناس بها حتى قرر المضي فيها كل يوم ايذانا بالافطار كما زاد على ذلك مدفع السحور ثم الامساك..ومنذ ذلك الحين وعادة اطلاق المدفع في رمضان باقية الى يومنا هذا ولتصبح احد رموز الشهر الكريم واحد التقاليد العريقة في كثير من الاصقاع العربية والاسلامية وبقيت مكةالمكرمة والمدينة المنورة أكثر مدن المملكة التي شهدت سماؤهما طلقات القذائف الرمضانية. حيث وضعت خطة لتدريب الافراد القائمين على التعامل مع مدفع رمضان قبل بداية الشهر ومنذ اعوام عديدة. اذ يتم اعداد 29 فردا من وحدة المناسبات للقيام بهذا العمل. واعتاد سكان البقاع المقدسة سماع دوي طلقات المدافع الرمضانية من عدة مواقع مثل اعالي جبل هندي والقشلة والمسفلة والفلق وغيرها واستمر صوت المدفع كعنصر اساسي في حياة الناس الرمضانية وحتى ظهور المذياع ليتوقف إطلاقه من القلعة ويذاع تسجيله الصوتي يوميا عبر أثير الاذاعة والتلفاز الى ان قرر المسؤولون بث عملية الاطلاق لمدفع رمضان طوال الشهر الكريم في السحور والافطار على الهواء مباشرة. وقبل إحالة المدفع الرمضاني الى التقاعد احكم أمرة داخل نفوس الصائمين ليذهب البعض منهم الى مكان المدفع قبيل الغروب للاستمتاع بصوته وحركته عندما يقذف مافي جعبته من بارود وملح ونار وهكذا مع تغير وتطور الزمان سيظل للمدفع خصوصيته وروحانيته في نفوس الصائمين. نقلاً عن صحيفة عكاظ ...