كثيراً ما تلفت انتباهي التعليقات والاستفسارات التي أتلقاها عن الأعمال الغنائية التي سبق وأن أذيعت عبر أثير الإذاعات الخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي، أو تلك المستقبلية التي هي في طور التحضير والإنجاز، من قِبل أبناء جيلي ممن هم في سن المراهقة أو العشرينيات من العمر، التي تتعلق بملحن الأغنية وموزعها، بل أيضاً عمن قام بهندسة الصوت! وتتحول في كثير من الأحيان ساحة تويتر وبعض المنتديات الموسيقية لساحة نقاش عن عمل الفنان الفلاني أو الفنانة الفلانية، يتم من خلالها التنقيب عن جميع التفاصيل المتعلقة بالعمل، فتارة يحللون كلمات الأغنية ويمتدحون شاعرها، وتارة يقترحون لو أن موزعاً آخر قام بتوزيع الأغنية بال«ستايل» الفلاني لنجحت أكثر ونالت استحساناً لدى شريحة أوسع. والغريب في الأمر أنهم مستمعون فقط ولا ينتمون للوسط الفني من قريب أو بعيد، بل أن النقاش قد يحتدم أحياناً بهدف تقديم اقتراحات يرونها -بحسب وجهة نظرهم «كسمّيعة»- كفيلة بأن تصنع من الفنان الفلاني مطرب الأجيال القادم أو الأكثر طلباً في الحفلات والمهرجانات القادمة. وأكثر ما يثير دهشتي هو طلب كثيرين من «الفانز» الذين ألتقي بهم في المجمعات التجارية والمطارات والأماكن الأخرى، أن نجتمع في ورش عمل يستمعون من خلالها لجديدي الغنائي القادم المقرر طرحه في الأسواق خلال الفترة القادمة، لأنهم -وبحسب اعتقادهم «كسمّيعة»- قادرون على تحديد الأغاني «الهت» من تلك التي لن تترك أثراً في النفوس أو «تكسر الدنيا» بحسب تعبيرهم! كل ما ذكرت سابقاً هي أحداث حقيقية كانت نتاج احتكاك مباشر مع أبناء جيلي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال قراءاتي وملاحظاتي للنشاط الإلكتروني وما يحوي من مواضيع فنية عولجت مسبقاً من قِبل هذه الشريحة الواسعة، والنتيجة التي نخلص لها جميعاً، هي أن هذا الجيل هو جيل موسيقي واعٍ بل مخيف، فكل الأعمال معرضة للانتقاد وجميعها (دون مبالغة) تمر عبر لجنة التحكيم المكون أعضاؤها من شريحة عريضة تستمع وتتابع وتحلل وتنتقد وتمتدح وتذمّ. أقر بأن جيلي مختلف، فالأعمال الغنائية لا تمر هكذا مرور الكرام، فهم من يحددون من يحتل المراكز الأولى في الصفوف، ومن يستحق أن يكون في الدرك الأسفل من سلم الوسط الفني. أعلق أحياناً ساخرة في وجه أحدهم بأنه من جيل موسيقى «الهشك بشك» ليرد صارماً: «نحن نستمع لكل ما يقدم إلينا عبر وسائل الإعلام، لكننا نصنف المحترمين ممن يحترموننا على أنهم نجوم لتاريخنا وإرثنا وحضارتنا ونطلق عليهم ألقاب السفراء لفننا في الخارج». كلمة حق يجب أن تقال في حق أبناء جيل «الآيباد»: جيلي يفهم، لا بل مخيف!