مشكلة المشكلات اليوم للأصوات القادمة إلى الساحة الفنية العربية سواء في المملكة أو الخليج أو مصر أو الشام برغبة جامحة لتحقيق مكانة ما في عالم الغناء، هي الكلفة الإنتاجية الكبيرة للكاسيت الأول أو بلغة اليوم وراهن التعامل مع السوق؛ كلفة الCD الأول بعد تنصل شركات الإنتاج عن هذه المهمة وطلب الشركات من الفنان الشاب الإتيان براعٍ ومتكفل بتنفيذ الألبوم، أو أن يذهب إلى أقرب فرع لبنك يقرضه من مائتي ألف ريال إلى نصف مليون؛ وهي الكلفة الحقيقية اليوم لإنتاج البوم ليأتي بعدها مدفوعا برغبته وهوايته وحبه للفن مهديا هذا العمل لتوزيعه من خلال إحدى شركات الإنتاج والتوزيع الفني العملاقة أو المحدودة جدا فالأمر اليوم سيان! الأمر الذي يجعلك متأكدا من أن ثمة خسارة ما، تطل برأسها للطرفين، سواء أكانت الخسارة فنية أو مادية لذا طرحنا هذه المشكلة وما يصادفها من سلبيات أمام شركات الإنتاج الفني والفنانين الصغار القادمين إلى ساحة الفن ولكن أمام الكبار من أهل الموسيقى والفن في محاولة لتشخيص المشكلة، وهل لارتفاع أجور الاستوديوهات وأجور العازفين اليوم علاقة في هروب شركات الإنتاج الكبرى من مهمات التصدي لإنتاج الألبومات الغنائية للموسيقيين والمطربين الشباب في العالم العربي وهل ثمة أسباب غير ذلك. وهنا يقول الموسيقار السعودي سامي إحسان: أجزم أن هذا الارتفاع غير المبرر في أسعار العازفين وإيجار الاستوديوهات سبب واضح رئيس لهروب شركات الإنتاج من رعاية المواهب وتحمل نفقات الألبوم الأول للمغنين الشباب -لاحظ أنني لا أقول المطربين- فتجارب بعض هذه الشركات التي أعطت كل ما لديها من إمكانات مادية وفنية لتقديم أصوات شابة لتقديمها إلى الساحة مثل ما حدث في السنوات الأخيرة مع (التكامل) للإنتاج الفني التي قدمت للساحة أصواتا شابة جد رائعة وساهمت في تحمل الإنفاق عليها وقدمتها للساحة لتتخاطفها بعد ذلك شركات أخرى وملحنون أيضا آخرون إلى جانب رغبات هؤلاء الشباب في الانطلاق إلى عوالم أخرى، الأمر الذي أوقع خسائر كبيرة عليها. ثم الارتفاع الكبير في أجور التنفيذ والمبالغ فيها، خذ مثلا؛ مؤخرا كنت في القاهرة لأنفذ أغنية خاصة بصوت عبدالله الرويشد، اغنية مناسبة كلفني أجر تنفيذها نحو 35 ألف ريال، وهي أغنية مذهبية. تخيل لو أنها مكبلهة، كان من الممكن أن تكلفني أكثر من مائة ألف ريال، بينما كنت في منتصف السبعينيات عندما قدمت صوت محمد عمر لأول مرة أنفذ الأغنية 250 جنيها فقط بما في ذلك إيجار ستوديو 46 في ماسبيرو تحت إشراف أهم مهندس صوت زكريا عامر الذي يشرف على تنفيذ ألحان أستاذنا محمد عبدالوهاب وإيجار عازفي الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن. وعضوية اساتذة كبار مثل سعد محمد حسن. ويقول الملحن الكبير صالح الشهري: في كل الحسابات نجد أن مثل هذه الخطوات المترتبة على ارتفاع أسعار التنفيذ بين ستوديوهات وعازفين تأتي كعوامل ضاغطة على شركات الإنتاج ومعطلة لأهدافها في خدمة الأصوات الشابة، أرى أن مهمات الأصوات القادمة، غدت كبيرة وأصبح عليها الكثير من العبء المادي إلى جانب المطلوب منها من استعداد فني. مرني مؤخرا كثير من المواهب الصادقة والأكثر روعة فقط ما كان سببا في تعثرها هو التمويل المادي. وتحدث النجم عبادي الجوهر عن القضية قائلا: المشكلة ليست مؤرقة للشباب القادم إلى الساحة الفنية بل للفنانين ذوي الخبرة والتجربة فكل شركات الإنتاج الفني الكبيرة أصبحت تفكر ألف مرة في تمويل البومات الكبار بل إن التردد أصبح يغشاها، وأنا ربما وجدت لهم بعض العذر لتجاربي السابقة كمنتج من خلال شركتي الخاصة (أوتار)، لذا تجدني لا أحمل كل السلبية والأخطاء لأحد الطرفين. ويقول الموزع الموسيقي والمايسترو أمير عبدالمجيد: قد يكون تخوف شركات الإنتاج من عدم استرداد ما تصرفه على ألبومات فنانيها كبارا كانوا أم قادمين إلى الساحة؛ ناهيك عن الأرباح ذلك كون غول الإنترنت يتعامل مع هذا الإنتاج قبل طرحه للتسويق أو في أول يوم لطرحه! أما عن ارتفاع أجور الموسيقيين والاستوديوهات في مصر فهذا أمر طبيعي لارتفاع كل تكاليف الحياة، فهل الموسيقي مثلا مستثنى من ارتفاع إيجار المنزل ومبالغ القصاب والبقال المطلوبة للحياة والمعيشة اليومية. ولأن الإنتاج الغنائي في مصر والعالم العربي يخضع لمعايير خاصة تتراوح بين الاعتدال والمغالاة، ماهي العوامل التي ترفع أسعار تكاليف الإنتاج الغنائي، ومن الذي يحدد أسعار هذه السوق. أما الموسيقار المايسترو محمد علي سليمان الذي كان سابق تجربة في تقديم العديد من الأصوات العربية الناجحة في الغناء والموسيقى مثل ابنته أنغام وأخيه عماد عبدالحليم «رحمه الله» فيقول: الإبداع دوما يأتي من رحم المعاناة وكلنا تجرعنا الأمرين في سبيل تقديم مواهبنا، ولكننا كنا قد قدمنا فنوننا أمام اساتذة كبار وليس إلى شركات انتاج. هنا لا أطعن فيما تقدمه شركات الإنتاج للمطربين الشباب ولا اقلل من شأن هذه الشركات ولكني أطمع في دعم أكبر للمواهب. خالد منيب (شاعر ومنتج غنائي) يشرح ل «عكاظ»، أسباب ارتفاع تكاليف الإنتاج الغنائي ارتباطا بعوامل فنية بحتة تتصل بمدى توافر التكنولوجيا الحديثة والمطورة بشكل دائم داخل الاستوديوهات، ومدى شهرة مهندسي الصوت والموزعين ومدى جماهيرية الشعراء والمطربين والمطربات. ويقول خالد منيب إن صناعة الأغنية تقوم على عناصر عديدة تتحدد على إثرها التكاليف الإنتاجية للألبوم الغنائي وهي عناصر (استئجار الاستديو، أجور مهندسي الصوت و تكاليف استخدام الآلات الموسيقية وأجور الموزعين والشعراء والدعاية إلى جانب أجور المطربين) موضحا أن كل عنصر من هذه العناصر تلعب دورا مهما في تكاليف الإنتاج الفني الألبوم الغنائي. ويشير خالد منيب، إلى أن أسعار استئجار الاستوديوهات تختلف من استديو لآخر بحسب ما يتوافر فيها من تقنيات تكنولوجية حديثة يتم تطويرها بشكل دوري، وتتراوح أسعار الاستئجار للاستديو بالساعة من 150 جنيها إلى 350 جنيها. أما أسعار الآلات الموسيقية المستخدمة مثل الصولو والكمان والساكسفون والأوكورديون والترومبيت وغيرها فتتفاوت أيضا أسعارها لتبدأ من ألف جنيه. بينما أجر الموزع الموسيقي فيختلف بحسب شهرته، حيث تبدأ الأجور من ألفين جنيه إلى 15 ألفا عن الأغنية الواحدة، ومن أشهر أسماء الموزعين في مصر حميد الشاعري وطارق مدكور وتوما وفتحي سلامة، بوصفهم نماذج مشهورة حققت نجاحات كبيرة في عالم التوزيع الغنائي. وكذلك مهندسو الصوت تتباين أيضا أجورهم بحسب شهرة النجم الذي يعمل معه، وبحسب ما حققه الموزع نفسه من شهرة في هذا المجال مثل نشأت نصر وأحمد جودة وسامح المزني وياسر حبيب وغيرهم، حيث تتراوح الأجور ما بين ألفين إلى خمسة آلاف جنيه عن الأغنية الواحدة. ويؤكد خالد منيب أن هذا التفاوت في الأجور ينسحب أيضا علي الملحنين، فالملحن الذي لم تصدر له أعمال فنية من قبل لا يتجاوز أجره عن الأغنية الوحدة ألفي جينه، أما الأسماء الكبيرة في سماء التلحين مثل وليد سعد ومحمد رحيم ومحمد رفاعي وأشرف سالم وغيرهم، فإن أسعار تلحينهم للأغنية والواحدة تبدأ من 20 ألف جنيه. ويقف مؤلف الأغاني في الطرب موقفا متباينا هو الآخر، فقد يقدم الشاعر كلماته مجانا للمطرب بهدف أن يحقق شهرة في السوق، وقد تكون الكلمات لشاعر في قامة عبد الرحمن الأبنودي، وهنا ترتفع أسعار الكلمات بحسب نجومية شاعرها. ويوضح خالد منيب أن أجر المطرب يختلف باختلاف شهرته ونجوميته، فالنجم سوبر ستار يكون مخيرا بين أن يدخل كشريك في الإنتاج أو أن يأخذ أجره كاملا من شركة الإنتاج وقد يقفز أجر المطرب إلى سبعة مليون جنيه كما تفعل شركة روتانا مع مطربيها. أما المطربون الذين يتم تقديمهم للساحة الغنائية أول مرة فإن يجري عقد مع الشركة المنتجة لمدة خمس سنوات ويأخذ سنويا من الشركة ما قيمته عشرة آلاف جنيه سنويا فقط باعتباره اسما جديدا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن شركة الإنتاج تجازف بطرحه في السوق وتغامر بالانفاق علي انتاج وتصوير الاغنية لهذا المطرب الصاعد بتكلفة تتراوح ما بين 80 الف الي 200 الف جنيه بحسب نوع التصوير سواء كان ديجتال أم سينمائي ويرسلها للفضائيات لعرضها كما يدفع المنتج تكاليف دعاية للفضائيات كي تبث هذه الاغنية ، وفي هذه الحالة فان المنتج لا يستفيد من الطرب الصاعد اي قيمة مالية إلا من خلال حالة واحدة وهي الحفلات التي يقيمها المطرب حيث تأخذ الشركة نسبة من هذه الحفلة . ويخلص المنتج خالد منيب إلى ان إنتاج الألبوم الغنائي الذي تصل عدد اغنياته الي 13 اغنية ، قد تصل تكلفته الإنتاجية في الحدود الدنيا للمطربين الذي لمن لم يسبق طرحهم بالأسواق من قبل الي 50 الف جنيه فقط بما في ذلك الدعاية ، أما تكلفة الشريحة الكبري والاعلي من نموذج الماستر للالبومات التي تضم نجوما في التأليف والموسيقى والدعاية والتوزيع فتتراوح ما بين 200 ألف الي 400 الف جنيه بخلاف اجر المطرب السوبر ستار والذي قد يصل أجره الى 6 ملايين في المتوسط أكد الملحن منير الوسيمي نقيب الموسيقيين الأسبق ، ان الساحة الغنائية ستشهد تغيرات جذرية في مصر بعد ثورة 25 يناير . وأضاف انه رغم ان سوق العمل متعطل حتى الآن بفعل عدم استقرار الأوضاع الأمنية ، فان الأغنية المصرية سترتدي ثوبا جديدا تتلمس من خلاله الفكر الجديد للمجتمع الباحث عن الحرية والعدالة الاجتماعية والقيم الروحية والأخلاقية ، مشيرا الي ان الأغنية المصرية سوف تعبر عن فكر الأجيال الجدية التي قامت بالثورة ، وما حدث فيها من صعود لتركيبات المجتمع كله ، بما سمح لكل التيارات ان تعبر عن رأيها بصراحة وجرأة ن وهذا بدوره سيعيد تشكيل الأغاني في إطار المتغيرات الجديدة . كما توقع الوسيمي ظهور إشكال غنائية جديدة ، وان أغاني الفيديو كليب ستختلف كثيرا في شكلها ومضمونها علي حد سواء موضحا ان كل المتغيرات ستؤثر بدورها في صناعة الكاسيت في مصر وربما تؤثر علي السوق العربي كله . ونفى منير الوسيمي حدوث أي متغيرات في أسعار وتكاليف الأغنية بعد الثورة ، مشيرا الي أن أجور الملحنين والموسيقيين والموزعين وإيجار الاستوديوهات شبه ثابتة بالنسبة للمصري او الخليجي او العربي في أي مكان بحسب الطلب علي أسماء بعينها وقال لا اعتقد ان تكاليف الإنتاج ستشهد ترجع او ارتفاع بعد الثورة ، ولكن المشكلة الحقيقة في سوق الكاسيت تكمن في بث الأغاني علي الانترنت قبل ان يستغلها صاحبها ماليا ، وهذه هي الطامة الكبرى التي منيت بها شركات الإنتاج وتهدد بزوال هذه الصناعة ما لم تتدخل الدولة لحماية المنتج من هذا السطو بتوفير الحماية للمصنف الفني الغنائي عن طريق فرض رسوم محدودة ولو بعض قروش علي كل من يتابع اي سايت غنائي علي الانترنت . أما الموسيقار فاروق سلامة فيقول: تغير مفهوم الأغنية بفعل ثورة 25 يناير ، فلن يعد اسم المطرب ونجوميته هي العامل الحاسم في بيع الألبوم الغنائي وإنما الفكرة الرئيسية للعمل الفني هي التي سيكون لها البطولة في سوق الكاسيت ، وهذا التغير يعد شيئا طبيعيا لأن لكل ثورة نهضتها الغنائية الخاصة بها . ومن ناحيته يعتبر الموسيقار طاهر حسين أن صعوبة بداية المشوار بالنسبة للمغني الشاب اصبحت طبيعية في مجتمعاتنا العربية، ذلك كون أول اهتمامات شركات الانتاج هو الربح المادي الكبير ومن ثم الفنان الموهوب.