أن يقضي المسافر حوالي ست ساعاتٍ كرحلة طيرانٍ فهذه معاناة بحد ذاتها، وكما ورد في الحديث الشريف فإنّ «السفر قطعةٌ من العذاب»، ومما يزيد من عذاب المسافر ومعاناته؛ أن يقضي وقتاً يساوي نصف زمن رحلة الطيران، وهو في أرض المطار وأمام (سير العفش) ينتظر حقائبه، في مشهدٍ مأساوي يقف فيه المسافرون من الرجال والنساء والأطفال، وقد أنهكهم التعب وأرهقهم الانتظار، لتمر الساعات الطوال وهم لا يزالون في موقفهم البائس، وفي غيابٍ تام للمسؤولين، ولم يجدوا من يستجيب لنداءاتهم ولا من يجيب على استفساراتهم، سوى بعض التعليقات الساذجة من بعض الموظفين الذين يوصونهم بالصبر ويعدونهم بالفرج القريب! هذا المشهد الغريب لم يحدث في أحد المطارات الصغيرة لدولةٍ فقيرة، قليلة الإمكانات الاقتصادية -مع أنّ أغلب الدول المتواضعة مادياً تمتلك مطاراتٍ رائعة لا توجد في بعض الدول الغنية- وبكل أسفٍ فقد حدثت المأساة السابقة في مطار الملك عبدالعزيز (الدولي) بجدة، وفي الصالة الشمالية تحديداً، ففي يوم السبت الماضي الموافق 14 يوليو 2012، وبعد أن قضى ركاب رحلة الخطوط المغربية القادمة من الدارالبيضاء إلى جدة ما يقارب الست ساعاتٍ في الجو، كانت ضيافتهم في مطار جدة الانتظار الطويل للعفش والحقائب، الذي امتد إلى ثلاث ساعاتٍ أو يزيد، ولم تجبر خواطرهم حتى ولو بجملة أسفٍ أو اعتذار، بدون مراعاةٍ لظروف المسافرين وعوائلهم، فكم من راكبٍ لديه رحلة طيرانٍ أخرى، وقع بين اختيارين أحلاهما مر، فإما أن يترك حقائبه ويلحق بموعد رحلته، أو أن ينتظر لتقلع الطائرة بدونه، وكم من مواعيد مهمةٍ والتزاماتٍ خاصة ضاعت على أصحابها بسبب سوء التنظيم وبدائية الإجراءات المتبعة، ومع كل ما حدث فلم يكن بأيدي الركاب إلا أن يحملوا حقائبهم المتأخرة، أو يجروها خلفهم، كما يجرون معاناتهم وبؤسهم، وليحمدوا الله أنها لم تفقد، وليحلموا فقط بالاعتذار والتعويض عن الأضرار!