الدمام – نعيم تميم الحكيم القرضاوي أفتى بعدم جواز تمثيل الخلفاء الراشدين ومن ثم أباحه في الفاروق دار الإفتاء في الكويت وسوريا وبعض العلماء حفظوا فتاواهم للاستفادة منها يعتمد منتجو المسلسلات التاريخية التي تسبر أغوار سيرة الصحابة الكرام، أو الخلفاء الراشدين، على فتاوى قديمة، وأبحاث نشرت قبل أعوام، بشكل كامل دون الاستناد إلى آراء شرعية حيال العمل نفسه، خصوصاً في قضية تجسيد أدوار الصحابة، والتي مازالت تثير خلافاً فقهياً كبيراً بين علماء الأمة. ولئن بادر بعض منتجو المسلسلات بتشكيل لجان تاريخية وشرعية لمراجعة النص، وإعطاء الحكم الفقهي حول ضوابط ظهور الصحابة، إلا أن بعض المنتجين يعتمدون على هذه الفتاوى والأبحاث، سواء أكانت فردية، أو جماعية، بل إن بعض الفقهاء يتراجع عن رأيه المبيح لتمثيل الصحابة بضوابط عندما يستشهد باسمه مع العلماء الذين أباحوا تمثيل الصحابة في عمل جديد خلاف العمل الذي أفتى بإباحته، ومن هؤلاء عميد كلية الشرعية الأسبق الدكتور سعود الفنيسان، الذي نفى في حديثه ل»الشرق» موافقته على تجسيد أدوار الصحابة، بعدما تم الاستشهاد باسمه ضمن المبيحين، بضوابط، لتمثيل الصحابة في مسلسل «عمر الفاروق»، الذي سيعرض في شهر رمضان على قناة «إم بي سي»، وعدد من القنوات العربية. وارتبطت الفتاوى والأبحاث بظهور هذه الموجة من المسلسلات في بداية الألفية الجديد، بعد هدوء طويل خيم على أجواء السينما والدراما، منذ بث الفيلم السينمائي الشهير «الرسالة»، للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد في سبعينيات القرن الماضي، والذي أحدث جدلاً كبيراً بين علماء الأمة، خصوصاً الأزهر الشريف، إلا أن اختفاء هذه النوعية من الأعمال أطفأ لهيب الجدل حول هذه المسألة. محمد العنزي وعندما بادر المنتج الكويتي محمد العنزي إلى إنتاج مسلسل «خالد بن الوليد»، قبل ستة أعوام، عادت دائرة الخلاف بين العلماء حول حكم ظهور الصحابة، بل إن أحد من تمت استشارتهم، وهو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور يوسف القرضاوي، نفى إعطاءهم فتوى شرعية حول العمل، ليتدارك المنتج الوضع، ويصحح أخطاءه بتشكيل لجنة شرعية للعمل مهمتها التدقيق التاريخ في النص، والإشراف على قضية ظهور الصحابة بالشكل اللائق. لتدور عجلة المسلسلات التاريخية التي تتناول سيرة الصحابة، ومنها «قمر بني هاشم»، و»رايات الحق»، و»القعقاع بن عمرو التميمي»، و»الحسن والحسين»، مما دفع العلماء والفقهاء المجتهدين لإعداد بحوث علمية وإصدار فتاوى بعض منها يحرم تمثيلهم بشكل مطلق، وآخرين يبيحونه بضوابط وشروط الفتاوى القديمة. واتخذت هذه البحوث والفتاوى أشكالا عديدة، فمنها ما تم التعاون فيه بين فقهاء، كالوثيقة التي وضعت ضوابط شرعية لهذه المسألة الشائكة، وخلصت الوثيقة إلى أنه «لا يجوز تشخيص أدوار الأنبياء جملة وتفصيلاً، ولا يجوز تمثيل الخلفاء الراشدين بصورة كاملة، إلا أن يكون ظلاً بدون ظهور الوجوه والملامح، ويستثني الشيخ يوسف القرضاوي العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنهم قادة الصحابة وأكابرهم، والشهادة المنصوصة لهم في الآثار المشتهِرة تعني التخصيص والفضيلة الزائدة التي تجعلهم، كالمقدس الذي لا يجوز تمثيله، وما سواهم فيجوز تشخيصهم في الدراما بالشروط المذكورة، على أن هذا هو ما يغلب على الظن، من حيث الحكم الشرعي، أما الفعل من عدمه، والنظر في جدواه، فلهذا حديث آخر، فقد يرى المتخصصون عدم ظهور هذه الشخصيات العظيمة، غير أن الحكم بالأولى غيَّر بيان الحكم في أساسه». نص الوثيقة د. قيس المبارك وأوضحت الوثيقة أن المقصود بها «فتح الباب لدراسة تؤصل للنظر في هذه المسألة، وتراعي أن باب التمثيل وظهور أعمال تجسد ذلك الجيل مفتوح أصلاً، فمن لا يعتمد الموضوعية والصدق لن يبالي بالفتوى، ولذا فقد تكون عاقبة المنع ظهور أعمال فنية درامية لا مصداقية لها، وترسخ في عقول الأجيال، ولدى غير المسلمين صورة سلبية عن ذلك الجيل العظيم، ويساعد على ذلك امتناع أصحاب الرسالة عن تقديم الصورة الصحيحة؛ تقيداً بالفتوى». وأكدت الوثيقة أن «تدارس سبل الحل الأمثل الذي من شأنه أن يمهد لاقتحام هذه الميادين للمخلصين والقاصدين لحماية الأجيال»، ولفتوا إلى من همه الارتزاق، أو هدفهم التشويه، فلن ينتظروا الفتوى، ولن ينظروا فيها. وشدد موقعو هذه الفتوى على أهمية وجود رقابة شرعية وتاريخية على المسلسلات والأفلام، التي تتناول حياة الصحابة خاصة، والتاريخ الإسلامي عامة، حتى يتم التأكد من صدق الروايات ومطابقتها للحقيقة، وعدم انسياقها وراء الروايات المنسوجة؛ مؤكدين على أهمية أن يكون للإعلام والدراما الهادفة مرجعية شرعية متزنة. ووقع على الوثيقة 17 عالماً، هم (د.يوسف القرضاوي، د.عبدالله بن بيه، د.خالد المصلح، د.عبدالوهاب الطريري، د.عصام البشير، د.عجيل النشمي، د.نصر واصل، د.وهبة الزحيلي، والشيخ حمود الهتار، د.سلمان العودة، د.صالح السلطان، د.عبدالعزيز القارئ، د.عبدالله الطريقي، الشيخ عبدالحي يوسف، د.قيس المبارك، د.هاني الجبير). وفضل بعض الباحثين الشرعيين، من أمثال الشيخ حسن الحسيني، إعداد بحث متكامل عن تمثيل الصحابة يكون مرجعية، ووقع عليه بعض العلماء بالموافقة. توثيق الأسئلة واتخذت بعض الجهات خطوة بتوثيق بعض الأسئلة التي تصلها عن بعض المسلسلات التاريخية التي تحكي سيرة الصحابة، لتكون مرجعية علمية لمن يريد الاطلاع عليها، مثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية في دولة الكويت، التي أجابت على سؤال موجه لها من أحد المنتجين، وجاء في الرد «يمنع تصوير وتمثيل الأنبياء جمعيهم «صلوات الله وسلامه عليهم»، الملائكة عليهم السلام، الخلفاء الراشدين الأربعة – رضي الله عنهم -، زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم -، أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن -، بنات النبي – صلى الله عليه وسلم – رضي الله عنهن -. وأما الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – والأئمة والعلماء – يرحمهم الله تعالى – فلا مانع من نشر صور لهم إذا توافرت الشروط التالية (أن يكون التصوير والتمثيل بقصد التكريم لا التعظيم، وليس فيه ما يدل على امتهانهم، وكان في نشرها تحقيق مصلحة مشروعة مع مراعاة سلامة المضمون من الناحية الدينية، وأن تكون الصورة مقاربة لصاحبها قدر الإمكان، وذلك حسب ما ورد في تراجمهم). ووثقت إدارة الإفتاء العام والتدريس الديني في سوريا ملاحظات في معرض إجابتها على سؤال إحدى شركات الإنتاج على المسلسلات التاريخية التي تُظهر الصحابة، وجعلتها مبادئ يمكن أن تسير عليها هذه المسلسلات، ومنها الصلاة والسلام على رسول الله وآل بيته، والابتعاد عن لعن الأشخاص أياً كان اللاعن، والتخفيف ما أمكن من مشاهد المعارك بين المسلمين، صورة، ويكون الحديث عنها حواراً، كما أن الخوارج لم يكونوا عصاة يشربون الخمر». فتاوى مكتوبة وأصدر بعض الفقهاء والمراجع الدينية فتاوى مكتوبة للإجابة عن أسئلة اتخذها بعضهم كوثائق يستند عليه، رغم أنها كانت إجابة خاصة، ومنها فتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور يوسف القرضاوي، التي نصت «لا أرى مانعاً من ظهور الصحابة المسؤول عنهم جميعاً، ماعدا ثلاثة منهم، هم العشرة المبشرون بالجنة، وهم أبوعبيدة بن الجراح، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، لما لهم من منزلة خاصة بين الصحابة وعند المسلمين، ولا أرى حرجاً في ظهور أصوات الخلفاء الراشدين من خلف ظهورهم، بحيث لا تعرف وجوهم»، في حين جاءت فتوى القرضاوي في مسلسل الفاروق عمر – رضي الله عنه – مخالفة لرأيه السابق في مسلسل الحسن والحسين، عندما أجاز ظهور الخلفاء الراشدين ضمن ضوابط. وضمنت بعض كبار المراجع الشيعية إجابتها في فتاوى مكتوبة، كالمرجع السيستاني، الذي يجيز تمثيل شخصيات الصحابة، بما فيهم الخلفاء والأئمة المعصومين، لكن بشرط ألا يسيء ذلك لهم»، محدداً شروطاً للممثل الذي سيجسد الشخصية بقوله: «ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم وخصوصياته بعض الدخل في ذلك». ولم يجد المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله في فتوى مكتوبة، رداً على سؤال منتج مسلسل «الحسن والحسين» أي مانع من ناحية إظهار وجوه الأنبياء والأئمة والصحابة عند تمثيل الأدوار الخاصة بهم، مشترطاً ألا يكون في الدور ما يوجب الإساءة إليهم، سواء أكان ذلك في ما يعود إلى طبيعة وثاقة النص التاريخي، أو النص التمثيلي، أو طريقة التمثيل، أو طبيعة الشخص المؤدي للدور في الحياة العامة. رفض العلماء د. سعود الفنيسان بيد أن أغلب العلماء يرفضون اعتماد المنتجين والمخرجين على فتاوى سابقة، مشيرين إلى أنه لابد من الاستعانة باللجان الشرعية لإبداء رأيها في العمل قبل وأثناء التنفيذ. وقال عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور سعود الفنيسان، ل»الشرق»: لا أرى أن الاعتماد على الفتاوى والأبحاث السابقة كاف، فلابد من دراسة متكاملة بدءاً من مدى صحة النص ومناسبته، والشخصيات التي يراد تمثيل أدوار الصحابة. ونفى الفنيسان توقيعه على بحث شرعي يجيز تمثيل أدوار الصحابة، مبيناً أن اسمه وضع عليه خطأ: عندما سُئلت قبل إنتاج مسلسل الحسن والحسين عن حكم تمثيل الصحابة، أجبت بالحرف الواحد «لا يجوز تمثيل صحابة رسول الله، ولا العشرة المبشرين بالجنة، أو أي صحابي أثنى عليه الرسول، أو مدحه، ولم يخل في هذا الحكم الصحابي الذي اختلف في صحبته». ورفض الفنيسان الرد على أي عالم يرى جواز تمثيل الصحابة، قائلاً «من أجاز تمثيل الصحابة من أهل العلم فلهم رأيهم المعتبر في بلادهم، ومنهم عضو من هيئة كبار العلماء، وأنا احترم رأيهم، واختلافي معهم في الرأي لا يجيز لي إصدار بيان للرد عليهم». وأكد الفنيسان على أن الاعتماد على فتاوى قديمة في مسألة تمثيل الصحابة غير معتبر، وأضاف «لا يصح أن يبني مسلسله على فتاوى قديمة، لأن هذه الفتاوى والأبحاث بنيت على سؤال معين، ولا يجوز إنزال هذه الفتاوى على أحوال جديدة، فلكل سؤال فتوى خاصة». وشبه الفنيسان توجه القائمين على المسلسلات بتشكيل لجان شرعية بأنه يشبه إلى حد كبير اللجان الشرعية للبنوك، التي أصبحت تهرب من فتاوى العلماء إلى اللجان، خصوصاً أن هذه اللجان تعتمد النص فقط، ولا يؤخذ رأيها في موضوع التمثيل. ودعا المنتجين إلى ضرورة مشاركة اللجان الشرعية برأيها في النص، وفي التنفيذ، حتى لا يقعون في أخطاء تسيء لصحابة رسول الله، وتشوه صورة التاريخ الإسلامي. المنتجون ل الشرق: الاستعانة بلجان شرعية غير كافٍ.. ولابد من الاطلاع على الفتاوى والأبحاث القديمة تبرأ منتجو المسلسلات التاريخية من تهمة الاعتماد على فتاوى وأبحاث قديمة في عمل المسلسلات التاريخية التي تتناول سيرة الصحابة، مشيرين إلى أن التعميم لغة مرفوضة. وقال منتج مسلسل «الحسن والحسين»، و»خالد بن الوليد»، محمد العنزي ل»الشرق»: «لا يمكن بأي حال أن نعتمد على فتوى سابقة، بل لابد من تشكيل لجان شرعية وتاريخية لمراجعة النص قبل التمثيل، وإجازته، والتي لا تشكل سوى 30% من العمل، مبيناً أنه من الضرورة بمكان الاستعانة بلجنة شرعية لمراقبة العمل أثناء التصوير لضبط الانفعالات، وضمان عدم حدوث ما يشوه شخصية الصحابة رضوان الله عليهم». وأضاف «لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل لابد من إشراف اللجنة على عملية المونتاج، ومن ثم مشاهدة العمل كاملاً قبل عرضه»، مؤكداً على ضرورة التأني في إخراج أي مسلسل تاريخي يتناول سير الصحابة». وأبان العنزي أن المنتج يمكنه الاستفادة من الفتوى بعرض السؤال حول المسلسل الذي ينوي إنتاجه على الفقهاء الذين لديهم الاطلاع والانفتاح في هذه القضية، لمعرفة رأيهم والضوابط التي يمكن أن يقدموا فيها العمل. وشدد المخرج والمنتج نجدة أنزور على أنهم حرصوا على الخلط بين الفتاوى والأبحاث السابقة، واطلاع الفقهاء على المسلسل الذين ينون إنتاجه، كما حصل في مسلسل «قمر بني هاشم»، ومسلسل «رايات الحق». ولفت أنزور إلى أنه لا يمكن لمنتج تقديم عمل درامي يتناول سير الصحابة دون الاطلاع على الفتاوى والأبحاث القديمة، والاستفادة منها، مع أهمية إيجاد لجنة تاريخية وشرعية لمتابعة العمل. أبرز الفقهاء والعلماء في اللجان الشرعية والتاريخية للمسلسلات جرافيك الشرق