تستغرق الرحلة الجوية من دبي إلى محطتنا المقصودة في البرازيل 16 ساعة. قرأت فصلاً في الكتاب المرافق وشاهدت فيلماً ونمت لساعات. عدت لأوراق عمل أحملها في رحلتي، قرأتها من جديد، كتبت مزيداً من الملاحظات ودونت بعض الأفكار لمقالاتي اليومية. ومازلت أفكر -معلق بين السماء والأرض- فيما يحدث في عالمنا العربي. لو أتأمل فقط في الطائرة العملاقة التي أكتب فيها هذه الزاوية لوجدت مائة سبب تشرح كيف تقدم صناع الحضارة المعاصرة وكيف تأخرنا. إننا نهدر الوقت وهم يستثمرونه بالثانية الواحدة. لماذا نهدر أوقاتنا في صراخنا السياسي وحروبنا الفكرية ومؤامراتنا بعضنا ضد بعضنا؟ صناع الطائرة التي تطير بي الآن إلى البرازيل منشغلون أيضاً بالسياسة. لكن حياتهم ليست كلها مُسخّرة لصراعات السياسة وألاعيبها. ما بالنا نحن منهمكون في منافسات السياسة وألاعايبها، منشغلون بصراعات الماضي ومآسيه؟ أعرف أنه سؤال ممل ومكرر لكنني هنا، بين السماء والأرض، ألحّ عليه: متى تصبح العلوم والإبداع والابتكار جزءاً أساساً من همنا وتفكيرنا اليومي؟ ماذا لو أعطينا الصناعة والإبداع قليلاً من الوقت الطويل الذي نقضيه في جدالات وصراعات تزيد من حالة التخلف والبؤس التي يعيشها عالمنا العربي؟ صناعة طائرة واحدة تؤمن آلاف الفرص الوظيفية لشباب متعطش للعمل والإنتاج. أبسط تقنية في هذه الطائرة تسهم في بناء الاقتصاد وازدهاره. ولابد من تكرار الأسئلة: أي إسهام لنا اليوم في الحضارة الإنسانية المعاصرة؟ أم إن دورنا في الحياة أن نشتري ما تنتجه الشعوب الحية، نستهلكه ونشكك في نوايا مصنعيه وننشغل بتدمير مقوماتنا وقدرات شبابنا؟ انظر في الأجهزة المحيطة بك الآن، من الهاتف الجوال إلى الآي باد، إلى الكمبيوتر، ثم اسأل نفسك، مثلما أفعل أنا الآن: أي دور لنا في منجزات العصر وإبداعاته؟