السلطات الجديدة في سوريا تطلق عملية بطرطوس لملاحقة «فلول النظام المخلوع»    غوارديولا راضٍ عن أداء مانشستر سيتي رغم استمرار نزيف النقاط    طارق السعيد يكتب..من المسؤول عن تخبطات هيرفي؟    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    وطن الأفراح    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    مسابقة المهارات    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسحاق الشيخ: لايوجد مهزلة «أشنع» من فتوى «إرضاع الكبير»
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 2010

إسحاق الشيخ يعقوب، مخزن ذاكرة لا ينضب من الأحداث والأسماء والتواريخ والعناوين القصيرة والطويلة، بصمات تركت أثرها عليه، وبصمات ترك هو أثرها حيناً في وجوه عابرة، وحيناً في أماكن بعيدة لا يعرف لها عنوان وأحياناً في أماكن قريبة مرمى القلب والبصر... تجاوز ال80 من العمر لكن في حضرته تشعر أنك أمام فتى في ريعان شبابه. في حوارنا معه استدعى وجوهاً وأسماء في مصابيح الذاكرة، حيناً تشعر بمرارة الذكرى إذا سرد تاريخ أحدهم، وحيناً تتوهج ملامحه وهو يتحدث عن والده أو مريم «الأم»، أو هي الوطن... وربما هي الجبيل أو البحر... ولكنه يوقن أنها رائحة لا تغيب.
يتحدث عن التنمية كرجل في ال30 ويتحدث عن آلية المجتمع والخبرة تعتصر كلماته وتجاربه. مازال يعيش التجربة السياسية بكل عذاباتها وأحلامها... «إسحاق الشيخ يعقوب» مازال يحلم وفي أحلامه بناء فكر لمجتمعات حبست نفسها في أسوار من تقاليد وأفكار بالية... فإلى تفاصيل الحوار:
الجبيل... المدينة القديمة قرب البحر ماذا منحت طفولتك؟
- الجبيل عشتها بكل شقاء طفولي فقد ولدت فيها وتعلمت أبجديات الحياة في أزقتها وحفظت القرآن على يد المطوعة والإنسانة الكبيرة، أختي عائشة وتعلمت القراءة والكتابة والأناشيد الوطنية في مدرستها الابتدائية، ومازلت أحفظ تلك الأناشيد المشبوبة بالوطنية مثل (بلاد العرب أوطاني) و (حماة الديار عليكم السلام) و(موطني ... موطني) و(ذكرى الوطن) وغيرها من الأناشيد الزاخرة بالحماس الوطني، وقد وفدت إلينا من الحجاز على يد مديرها زين العابدين توفيق... وقد تبرعمت في ذواتنا ونفوسنا براعم الوطنية... فقد لعب الحجاز المتقدم والمتنور بالنسبة إلى كل مناطق المملكة دوراً مرموقاً في نشر العلوم المدرسية.
ويمكن القول إن مدرسة الجبيل الإبتدائية قد أنجبت قيادات وطنية وفكرية، وكان على إيقاع زفير البحر وبهاء زرقته وتلوّن ألوانه كانت طفولتي نهب ظنون مخاض تتسقط قدرها...
وكان والدي رحمه الله يشقى ليضعني فقيهاً دينياً على سكّته... وكانت رياح أخرى تذرني بعيداً... بعيداً عن مطامحه... وكان يتحسر بمرارة ويقول يائساً: «وما تشاءون إلا أن يشاء الله» وكان «قدري» خارج مشيئة والدي الذي حدب على تربيتي فقهياً ودينياً... وكانت والدتي «مريم» تتدخل قائلة: التدخل في شؤون الآخرين تدخل في شؤون الله!! لقد منحتني طفولتي الجبيلية بمرها وحلوها وبهاء بحرها وثراء همومها وشقاء ناسها تجدد دهشة صدمات مفاجآتها كانت طفولتي تنمو وتزهو زهواً طروباً على إيقاع شغف حبي وتعلقي بالجبيل.
وأرض الجبيل وأهل الجبيل وبحر الجبيل وهو حب يشمل الوطن كله ويتمدد في نفسي عشقاً يسري في عروق دمي... حب مأخوذ بغثه وسمينه وجمالية نهوض إنسانيته نحو غد وطن قادم أجمل... حبٌ شرب من ماء (طويّة) لا ينكث عهده ولا يدير ظهره لوطنه!! (طويّة) بئر ماء يعتد بها أهل الجبيل... ويقولون (تراه شارب من ماء طويّة) أي لا خوف عليه!!
الجبيل الصناعية الآن... هل ستجد يوماً من يكتب عنها بشاعرية وحنين؟
- الجبيل الصناعية سيأتي من يكتب عنها...ستنمو الحياة ...وستترسخ الشاعرية والحنين في الزمن وستنبت أرض «الفناتير» عشاقها وعشيقاتها زنابق تتفتح حنيناً وشاعرية عشق تطاول حنين العامري والعامرية... فالجبيل الصناعية فرع من أصل – ولا أقول طارئة – وهي ظهرت على إيقاع نمو الرأسمالية داخل الوطن وخارجه... ومنذ أن فتحت عيني للحياة كانت هناك «مساكر» بني خالد... والمساكر امتداد صخور لاصطياد الأسماك... وكانت طيور بحرية بيضاء أعناقها تطاول أقدامها تتجمع هناك في البحر تقتلع القواقع (صقوع) من الأرض وتلتهم ثمارها وكانت هذه الطيور تسمى (فناتير) مفردها (فنتير) وقد أطلق على تلك المنطقة منطقة (الفناتير) والتي أصبحت مدينة صناعية باهرة... وكنا أطفالاً نذهب هناك نقلّب الصخور في البحر ونقتلع «الحويت» قواقع البحر... نضعها على النار وإذا نضجت... نقوم بغرز شوك النخيل فيها ونتناولها وجبات شهية يسيل لها لعاب طفولتنا!!
عاصرت الكثير من الحروب والمعارك، أيها كانت أكثر مرارة وتركت انكساراً في نفسك؟
- الحروب كلها أمقتها... إلا الصراعات الطبقية الحتمية في التحولات التاريخية فهي إرادة للتاريخ محمومة بإرادة البشر في إرادة الله... عاصرت الحرب العالمية الثانية وما كنت أدري بوعي كنه حقيقتها وكان الرجال يأتون المجلس يتصدرهم والدي بعمامته... يتناكفون في تفاصيلها بعضهم مع الحلفاء وبعضهم مع المحور وكان الميل إلى الحلفاء كون السوفييت الروس منهم...
هكذا كان الهمس بيني وبين أخي يوسف... وما كانت نفسي يوم ذاك تعرف الإنكسار... أما إذا عنيت بالسؤال الحروب الإقليمية فحدث ولا حرج بانكسارات نفسية على إيقاع دمارها وخرابها وزهق أرواح جنودها... إني أحمل ثقافة ماركسية إنسانية حرة مسالمة تمقت الحروب وتنادي بنزع أسلحتها من على وجه الأرض..
ماذا في ذاكرتك الآن عن سنوات الدراسة في ألمانيا «الشرقية»؟
- إني مدان للإنسانية الألمانية الشرقية وستبقى جمالية ذاكرتها محفورة في نفسي ما وُجدت على الأرض حياً... فقد تعلمت وعشقت وضمتني قلوب صادقة في إنسانيتها ولا يمكن أن أنسى معلمة اللغة (فراو شتاركر) ولا المعلم العظيم (هر كلاين) الذي يجسد الإنسانية العالمية في كل كلمة وجملة يغرها غراً إنسانياً في نفوسنا وعقولنا... ويدفع بمياه الثقافات الإنسانية تتماهى متماوجة فيما بينها من دون تمييز...
وكان (هر كلاين) يتمثل في تعاليمه الأكاديمية بمقولة كارل ماركس (الإنسان أثمن رأس مال) ... ذكريات حميمية وإنسانية مع الجميع ومع صديقتي (زقريت مولر) في حميمية نقاش ومراس ما يجوز وما لا يجوز في صميم الحياة !، هكذا تسقط المدن في التاريخ وتبقى الأفكار الإنسانية تحوم لإعادة بنائها... ما أشد مكر التاريخ... أيعود التاريخ ؟! لا فكاك لحتمية التاريخ في العودة...
الغربة والسجن
سنوات المنفى والغربة كيف تستذكرها؟ ما الأسوأ وما الأجمل فيها؟
- «الغربة كربة» .. فلا الغربة طابت لي ولا المنفى... إلا أني كنت أماهي غربتي في ذاكرتي بالوطن الذي اقتلعت منه عنوة... فأمد يدي في العتمة وأتوهم أني ألامس روح «مريم» في الوطن... أماهي الوطن بمريم وأماهي مريم بالوطن... هكذا كانت الغربة تمريمني وطناً في مريم ومريم في الوطن... إلا أني أقول بيني وبين نفسي كل شيء يهون لعيون الوطن وعيون مريم... وهناك مثل لبناني يقول «من أجل عين تكرم مرج عيون».
تناولت في أربعة كتب شخصيات ووجوهاً عاصرتها أو تأثرت بها، هل ما كتبت كان نوعاً من الامتنان لمن مروا وأضاءوا ذاكرتك في مراحل حياتك؟
- تناولت شخصيات ووجوهاً في خمسة كتب وليست أربعة كتب وقلت في خلف أحدها: وجوه تمر بها وتمضي غير مبال بها... ووجوه تستوقفك بدهشة عند شواطئها... ووجوه تغذ الخطى مسرعاً عنها... ووجوه ترابط أمامها وكأنك تخاطبها في صمت وأنت تتأملها وتحسب واهماً أنها تبادلك التأمل!! أخطو في الوجوه وكأني أخطو في الحياة أصيب منها وأخطئ، تلكم وجوه عرفتها وقلت كلمتي فيها أكنت مصيباً أم على خطأ؟! إني أطلب المعذرة من أحد. ولا أطلبها من أحد...
إني مولع التأمل في الوجوه وأجد لذة عارمة في تأملها – هكذا خلقني الله – أتأمل ... حتى إن «نعيمة» تبدي غيرتها... إلا أني أحياناً أطيل تأملها وهي تدري وكأنها لا تدري!!
هل كان من أحلامك أن ترتدي يوماً عمامة والدك؟
- كان والدي رحمه الله يحلم... أما أنا فما كنت أحلم لا بعمامة ولا بشيء أضعه قيداً على رأسي... أكره القيود حتى في الزي!
ما الذي كنت حريصاً عليه مع أبنائك؟
- أن يتوجهوا دروب الحرية من دون تثريب... ويساراً يساراً حيث المنابع الحقيقية للحرية!
ما الذي ما زلت تشمه في مريم، وما الرائحة التي لا تغيب؟
- رائحة ملفعها و «شادورها» وسجادة صلاتها!
نعيمة الرفيقة... هل لها رائحة مختلفة؟ - نعيمة لها رائحة تعودتها عن جميع روائح النساء... وكنت أحسب أن روائح النساء من روائح المدن... إلا أن روائحهن كعالمية روائح الزهور.
برأيك ما الذي ينبغي عمله في مواجهة التجمد التراثي من الداخل والمسخ الثقافي من الخارج؟
- مواجهة التجمد في التراث يصار بالحداثة والتحديث في بنى المجتمع الفوقية والتحتية على حد سواء وأعمال منجز العصر في حياتنا المادية والفكرية... والإقلاع عن سياسة ما يسمى بالأفكار المستوردة التي يكرسها الإسلام السياسي في حياتنا وفي مناهج أبنائنا وبناتنا في المدارس وفي قطاع التعليم بشكل عام... والعمل على تحريك المعاصرة وشد أزرها ومناصرتها في ضرب ركائز الأصالة التي تتسيد الجمود في التراث وعدم زحزحته عن تكلسه وجموده...
فالجمود والتخشب في التراث شكل من أشكال التطرف التي يسيطر على الكثير من العقول المتجمدة في مؤسسات بنى المجتمع التحتية والفوقية... وعلى القوى المتنورة أكانوا في بنى المجتمع التحتية أم الفوقية عليهم أن يتكاتفوا ويتضامنوا من أجل ضرب مواقع التطرف والجمود في المجتمع والعمل على دفع قيم المجتمع المادية والفكرية على طريق الحداثة والتحديث والتخلص من الجمود والتطرف في التراث الذي يشد المجتمع إلى هاوية من الظلام والتخلف لا قرار لها...
ما أصبح تراث الأمس تجاوزه التاريخ وانتهت صلاحيته وعلينا أن نبني تراثاً حديثاً لنا ولأجيالنا يواكب العصر وينشر أخلاق العدل والحرية والمساواة ويرفع راية الحداثة والتحديث في المجتمع!!
هل يمكننا قياس التنمية الإنسانية في ظل الانتهاكات الحقوقية للحرية والتعبير عن الرأي؟
- ولا يمكن أن أتصور تنمية بشرية إنسانية... والإنسان مقيد بأصفاد عبودية انتهاك أبسط حقوقه في العيش بكرامه وحرية...
والمواطن لا يستطيع أن يكرس مواطنته في العدل والحرية من أجل المساهمة في بناء الوطن وتجديد وتطوير مرافقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وتحريرها من الفساد والتخلف في ظروفٍ حقوقه تُنتهك وحريته مقيدة وفكره تحت المراقبة وعقله مغيب... فكيف للتنمية أن تتنفس وتأخذ طريقها إلى سداد الصواب والنجاح...
وبعض أجهزة النظام تذرع أنفاس المواطنة بالقمع والإرهاب!! التنمية تقاس وتبنى بالحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وبناء دولة العدل والمؤسسات وليس باللطم على أطلال التراث والأفكار البائدة ومشايعة أهل الظلام والتخلف في المجتمع!!
لماذا نفتقد إلى مشاريع وطنية حقيقية وناجحة؟
- الدول النامية تدفع إلى مشاريع تنموية مهمة في مجتمعاتها... فمنطق العصر وثورة المعلومات والعولمة وتنامي رساميل الشركات المتعددة الجنسيات يفرض مثل هذا التوجه بسلبياته وإيجابياته...
ولابد من فك الانسدادات الاجتماعية الكبيرة التي تعيق تنفيذ الكثير من المشاريع الحيوية.
لماذا صناعة التنمية تأخذ وقتاً طويلاً، وصناعة التخلف سريعة الانتشار؟
- سرعة صناعة التخلف وانتشاره... في وجوده فينا وفي وجود تخلف انظمتنا الاجتماعية وفي ترسبه في نفوسنا وفي انسدادات عقولنا...
هل يعقل أن يكون بيننا داعية شرعي وفقيه لا يشق له غبار في ميادين الإفتاء... يرفض الاختلاط... إلا في حال الإرضاع وكانت إحداهن تسأل: هل يجوز أن أعمل سكرتيرة... وما كان منه إلا أن يقول: أرضعيه ليكون لك ذلك شرعاً... أهناك مهزلة أقبح وأشنع من هذه المهزلة!، ولهذا فإنه من البديهي بمكان أن تأخذ صناعة التنمية وقتاً طويلاً عندنا... لأن هناك عقولاً من هذه الشاكلة تتبوأ مناصب إنمائية في مؤسسات المجتمع والدولة...
التنوير الثقافي محارب
كأنما هناك مرحلة تبدو غائبة أو مغيبة في مسيرة المجتمع الثقافية، هل يمكن تحديدها زمنياً، ولماذا تبدو مبهمة؟
- مسيرة التنوير الثقافي محاربة ومغيبة فقد كان ظلام التخلف مهيمناً ومسيطراً في المجتمع... والثقافة ثقافتان ثقافة أصولية ظلامية وثقافة معاصرة حرة تنويرية... الأولى ثابتة متحجرة في نصوصها الثقافية والفكرية...
والثانية متحركة متجددة في نصوصها الثقافية والفكرية وهو ما يعرف في المجتمع الصراع بين الثابت والمتحرك وكما أن الثقافة منقسمة فقد انقسم المثقفون بين معاصرين تنويريين عقلانيين مجددين يأخذون بالعقل وبين أصوليين تقليديين يأخذون بالنقل ولا يريدون أن يتزحزحوا قيد أنملة عن نصوص التراث التي أكل عليها الدهر وشرب...
ومنذ الخمسينات وعلى مسار تشكل الدولة ودخول آلية أدوات وسائل إنتاج النفط راحت قوى الإنتاج تتشكل وأخذت مظاهر جذور المعاصرة الثقافية تذر قرنها في البنى التحتية والفوقية في الدولة وفي المجتمع بشكل عام وتحرك السائد التقليدي الثقافي في حياة الناس وكانت بواكير المعاصرة قد تبدى ظهورها الثقافي والفكري لدى كتاب وأدباء وشعراء ومثقفين في الحجاز والمنطقة الشرقية...
وهكذا راحت – أعني المعاصرة – تأخذ طريقها بشكل أوسع فأوسع في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز... وفي الحياة دائماً لا يصح إلا الصحيح... والصحيح إن اضطهد سرعان ما يظهر بعافية جيدة وحيوية أنشط وأقوى!
برأيك... من الذي يجب أن يُحارب «الفكر الضال» أم «الفكر المُضلِل»؟
- الفكر الضال والفكر المضلل لغة لا ترتقي إلى مخاطر الإرهاب والظلام والتكفير ضد كل شيء جميل وبهي في الحياة... ومخاطره تهدد المجتمع والنظام السياسي على حد سواء...
وعلينا أن نشير بلغة تصوب حقيقة هذه المخاطر التي تشوه ديننا الإسلامي الحنيف بأساليب وممارسات القتل والتفجير وأن نضع النقاط على حقيقة أفعالهم وخزي جرائمهم كإرهابيين وظلاميين واقصائيين وتكفيريين. وأن ندين بشجاعة ووضوح أعمالهم الإجرامية التكفيرية ونصفهم بها... من دون أن نلف وندور باستحياء في وصفهم كون منطلقاتهم «إسلاموية».
الخطاب السياسي الحالي على رغم جرأته هل عليه أن يتمسك بثوابته وتاريخه ليطوره أم عليه أن يرمي به جملة وتفصيلاً لينضم إلى أندية الثقافة العصرية؟
- الخطاب السياسي عليه أن يرتفع إلى ظروف العصر ومتغيرات رياح التحرير من مخازي القرون الوسطى وتطلعات الإنسانية لفضاء الحرية والتنوير ومساواة المرأة وبناء دولة العدل والقانون وأخذ ما هو مفيد من العولمة ورفض ما هو سيء وبليد واستغلالي واستعماري وبشع ضد الإنسان والإنسانية...
ماذا يعني التمسك بالثوابت التاريخية؟
- كثير من مهازل ثوابتنا التاريخية التي أكل عليها الدهر وشرب، علينا إنزال ثوابيتها من على عواتقنا ورميها في البحر!.
نجد أن هناك روحاً مفقودة كانت سائدة في وقت ما... هل كان الهم الوطني سائداً في تلك المراحل، وتحول إلى هم فردي في مراحل أخرى؟
- لقد تعقدت الحياة وتعقدت الأيدلوجيات واختفى أهم حليف للشعوب وحركاتها الوطنية ممثلاً في الاتحاد السوفياتي وفقدت الجماهير قبلتها السياسية والفكرية وتوجهت إلى ظلام الإسلام السياسي وساد بطش الإرهاب واختلت موازين الحرب الباردة.
كأن العالم أضاع هويته التاريخية وتحللت قوى وأحزاب سياسية ويسارية وهانت الوطنية لدى كثير من الوطنيين وأضحت الفردية والأنانية الاجتماعية والسياسية والثقافية تأخذ مرتكزاتها في النفوس التي اهتزت ثقتها فتحول الهم الوطني إلى هم فردي، صحيح هذا كما عنيت إلا أن التطور في المجتمع يأخذ مساره اللولبي وليس المستقيم!
أي الأمراض الاجتماعية استعصت على جيلك فورثتها الأجيال التالية؟
- «الأمراض» الاجتماعية تتوارثها الأجيال بسلبها وإيجابها وترى الجدل يذكرنا: في كل سلبي إيجابي وفي كل إيجابي سلبي... هكذا الحياة فالسلبي والإيجابي تتوارثها الأجيال... إلا أن النصر في النهاية في الطبيعة والفكر والمجتمع للإيجابي وليس للسلبي!
الدعوة لثقافة التسامح والمحبة والمصير المشترك أحدى أساسيات التراث الإسلامي، لماذا أصبحنا الآن بحاجة إلى مؤتمرات للدعوة إلى هذه القيم؟
- ثقافة الدعوة للتسامح والمحبة إحدى أساسيات جميع الأديان من دون استثناء... أما الحاجة إلى مؤتمرات لإعادة هذه القيم... فإن شيئاً من التطرف في جميع الأديان من دون استثناء أيضاً... وهذه الإشكالية في جميع الأديان.
الصحوة والليبرالية
الصحوة... هل أكلت الأخضر واليابس؟
- الصحوة أكلت يابس وأخضر القلوب والمهج وهي ليست صحوة وإنما غمة وإذا أخذناها على اسمها فهي صحوة ظلام وتخلف!
ما الذي تخشى منه الذهنية المتعصبة؟
- الذهنية المتعصبة تخشى: الليبرالية والعلمانية واليسارية والذهنية المستنيرة بشكل عام.
لماذا خسر المثقفون المعركة مع رجال الدين؟
- لم يخسر المثقفون التنويريون المعركة... والمعارك سجال فر وكر... والمستقبل للتنويرية وليس للظلامية والظلاميين!!
هل نعاني من صراع حضارات أو صراع مصالح؟
- لا صراع مع الحضارات... والحضارات بطبعها وطبيعتها تحمل شحنات إنسانية حضارية... والحضارات تتحاضر والثقافات تتثاقف وفي هذه الشحنات الإنسانية... تتأنسن المجتمعات في سلام وأمن الحضارات لا في صراعاتها... أما الصراع السياسي على المستوى العالمي والإقليمي فإنه يعكس صراع مصالح!!
برأيك هل تأصيل الفلسفة هي سبب ازدهار الحضارة الغربية؟
- الفلسفة ومراكز العلوم الفلسفية المفقودة عندنا من أهم أسباب تخلفنا وتقهقرنا وتأزمنا ولا ننسى أن الكثير من عقولنا ما زالت رهن المقولة الظلامية: من «تمنطق تزندق» أي من تسلح بمنطق الفلسفة أصبح زنديقاً...
هكذا كانت الفلسفة محاربة وممقوتة في مناهجنا التعليمية وتتهيبها أوساط واسعة من مجتمعاتنا في الوقت الذي نراها تأخذ اهتماماً بليغاً لدى ثقافات الأمم والشعوب الناهضة المتحضرة في العالم...
هل المثقف الخليجي يعيش غربة خاصة، لأنه يملك أفكاراً ولا يملك السلطة؟
- ليس كل المثقفين الخليجيين يعيشون غربة خاصة... وترى الأيدلوجية تتطير بهم في تنوع وتعدد الحياة المادية والفكرية، وهم نفير ليبراليون وتنويريون وظلاميون وأصوليون وعلمانيون ويساريون ويمينيون ومثقفو سلطة يتشكلون رقباء أمناء على سياستها الثقافية والفكرية. وهم إذ لا يملكون السلطة فإنهم يملكون إدارة ثقافة السلطة... ولا يتورعون بقمع وتشريد زملاء دربهم الثقافي والفكري.
من يتحمل مسؤولية استياء الأجيال من ثقافتهم؟
- يتحمل مسؤولية الأجيال بالدرجة الأولى المجتمع برمته والنظام الاجتماعي الذي يقود المجتمع إما إلى هاوية الظلام أو إلى شواطئ النور والعدل والأمان!
فلسفة التغيير هل يجب أن يصاحبها قوة سياسية؟
- فلسفة التغير لا تأخذ طريقها بعقلية القبيلة... وإنما بعقلية العلم والعقلانية.
التعددية هل هي مفهوم مرعب للأنظمة؟
- التعددية هي صنعة من إرادة الله في جميع مخلوقاته في الحياة وفي الطبيعة والفكر والمجتمع ولا أدري لماذا مثل هذا المفهوم يُخيف ويُرعب الأنظمة... حقاً لا أدري ربنا لا تحملنا ما لا طاقه لنا به.
التعليم هل هو مغيب عن تطوير العقل العربي؟
- التعليم يجب أن ينطلق ويأخذ أبعاده التعليمية والأكاديمية من دون قيود وبلا حدود... ويتجاوز قرارات ما يجوز وما لا يجوز... فكل شيء في العلم يجوز... فقد قيل «اطلبوا العلم ولو في الصين» وهذا يعني الأهمية الكبرى للعلم وينبهنا عليها في أن نعطيه الحرية ليأخذ أبعاد آفاقه العلمية المادية والفكرية في مجاهل السماوات والأرض!
إن هناك علاقة جدلية بين العقل والعلم فإذا قيد العقل قيد العلم وإذا قيد العلم قيد العقل... لنطلق العلوم في العقول ولنطلق العقول في العلوم... ليكتمل حراك الجدل ويمضي من دون قيود ولا حدود في المجتمع وعلى صناع القرار أن يحثوا التراب في أفواه الظلاميين والتكفيريين الذين يضعون العقل والعلم ضمن قوائم إفتاء ما يجوز وما لا يجوز.
مأساتنا في ما يحمله التراث من خصوصيات «متخلفة»!
سيرة ذاتية ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.