أثارت “احتلوا وول ستريت” العديد من ردود الأفعال في المجتمع الأمريكي، وتباينت الآراء حولها، ما بين مؤيد ومعارض للحركة، التي شغلت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، منذ منتصف شهر سبتمبر الماضي، بعد دعوات لها على موقعي الفيسبوك وتويتر، واتسعت رقعة مظاهراتها التي بدأت في الحي المالي في نيويورك ضد السياسات الاقتصادية، والبطالة، وحربي العراق وأفغانستان، إلى مظاهرات في العديد من المدن الأمريكية من بوسطن إلى سياتل، وفي الوقت الذي وصفت فيه الحركة بأنها النسخة الأمريكية من “الربيع العربي”، المدفوعة بحس من البعد الشعبي عن النخب التي تسيطر على السياسة والاقتصاد، وصفها البعض بأنها تعبير حقيقي عن الوعي المتزايد في الولاياتالمتحدة، بأن الحكومة في واشنطن لم تعد تخدم مصالح الشعب الأمريكي، ولاقت فكرة، أن الشعب يجب أن يكون له صوت مرة أخرى في تقرير مصيره، قبولاً واسعاً، لأن الحركة أشعلت حركات احتجاج أخرى مماثلة عبر أوروبا وفي آسيا. ولأن الكثير من الناشطين في الولاياتالمتحدة يصفون أنفسهم بأنهم تقدميون أو ليبراليون، فإن الحركة تلقى شتائم متزايدة من النقاد المحافظين، الذين يصفونها بأنها “غير أمريكية” مع أن أهدافها كثيراً ما تكون متطابقة مع أهداف أحزاب الشاي (Tea Parties) التي تقع على اليمين السياسي، وكان هناك بعض الارتباك المبدئي حول كيفية وصف التهديد المتصاعد. تمرد أنيق يرى تشارلز كروثامر، وهو من المحافظين الجدد البارزين في صحيفة واشنطن بوست، أن الحركة كانت في البداية تمرداً أنيقاً متطرفاً من المحتجين، الذين يرشفون القهوة في مقاهي ستاربكس، ويرتدون بنطلونات الجينز الأنيقة من نوع ليفاي، ويحملون في أياديهم جوالات آي فون، وهم يهتفون ويشجبون أمريكا المبنية على الشركات، واصفاً المحتجين بأنهم كسالى ساخطون، ينوءون تحت وطأة قروضهم الطلابية، التي تبلغ 50 ألف دولار، وشهاداتهم الجامعية في اللغة الإنجليزية، والذين قرروا أن عدم قدرتهم على الحصول على عمل مربح سببه حقد أصحاب الملايين. لكن المفهوم تغير فيما بعد، عندما لم يغادر المحتجون وكثر عددهم، وانضمت إليهم بضع نقابات عمالية، وأصبحوا يتحدون الوضع الراهن بشكل مباشر. لصوص قذرون ووصف معلق الراديو روش ليمبو (من التيار المحافظ) المحتجين بأنهم “هيبيون خسيسون، ولصوص، ومغتصبون، وسارقو محفظات”. كما وصفهم جلين بيك، الذي كان يظهر كثيراً على تلفزيون فوكس، بأنهم هامشيون، يرعى فيهم القمل، وينشرون المرض، يرتكبون الجرائم والاغتصاب ويتغوطون ويزنون علناً أمام الناس. كما قيل إنهم كانوا “يهاجمون” الشرطة، كما أن روايات الإعلام المفعمة بالشعارات المألوفة من أيام حرب فيتنام، نعتتهم بأنهم “قذرون، وداعرون جنسياً، ويتلقون إلهامهم من الشيوعية”. لكنّ هناك صياغة جديدة للإهانة، بدأت تزحف بشكل متزايد إلى القدح والذم لوسائل الإعلام. معاداة السامية وصور بعض النقاد الحركة مبدئياً على أنها معادية للسامية، بسبب العدد الكبير من اليهود، الذين يعملون في صناعة الخدمات المالية، بالنسبة لبعض الأمريكيين ممن يطلق عليهم صفة معلقين محافظين، وهناك عنصر أساسي يمكن أن يستخدم لتهميش حركة الاحتجاج، وهو باتهامها بأنها إسلامية، فيما يراها جلين بيك شيئاً أكثر شراً من التطرف الإسلامي؛ الذي يهدف إلى الإطاحة بحكومة الولاياتالمتحدة. الإسلاموفوبيا أصبح الجميع في أمريكا يحتاجون أحداً ليلقوا باللوم عليه، عندما تقع أحداث سيئة، فالخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) ليست شيئاً جديداً، لكنها حصلت على شعبية بعد أحدث 11 سبتمبر، والإسلام، الذي يعد في الواقع غريباً بالنسبة لمعظم الأمريكيين، هو كبش فداء ملائم، مما أدى إلى حملات تسب الشريعة الإسلامية، وتثير شكوكاً حول المسلمين بشكل عام. وربما ليس من قبيل المصادفة أن المرأة التي تتحدث بالصوت الأكثر ارتفاعاً ضد الإسلام في الولاياتالمتحدة هي الكاتبة باميلا جيلر، هي التي تقود الحملة وتربط بين ما تعتقد أنه معادٍ للسامية مع حركة وول ستريت. وأحد العناوين التي استخدمتها باميلا جيلر على الشكل التالي “جماعات إسلامية تدعم المحتجين في حركة وول ستريت”. جيلر ناجحة في العثور على تأثير لمعاداة السامية والإسلام في أماكن كثيرة، وهي ناجحة في مهمتها، من خلال الخلط بين معاداة السامية ومعاداة إسرائيل. في رأيها ورأي مؤيديها، الأمران شيء واحد في النهاية. مساعدات إسرائيل ويؤكد آخرون أن جزءاً من محاولة تصوير حركة احتلوا وول ستريت على أنها معادية للسامية هو لأسباب سياسية، ومحاولة للربط في الذهن الشعبي أن المحتجين مع الرئيس باراك أوباما، الذي كان في يوم ما منظماً اجتماعياً، وفشل في توجيه إدانة علنية قوية ضد الحركة، لكن هناك أيضا محاولة واضحة لتهميش أي انتقاد لإسرائيل، التي تركز حولها مؤخراً جدل مفتوح، يتعلق بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، تتسلمها كمساعدات خارجية من الولاياتالمتحدة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير. السياسة الخارجية ويحلل البعض، أن الناشطين في حركة احتلوا وول ستريت ليست لديهم أية رسالة موحدة، وأنها حركة ولدت من إحباط واسع بالوضع الراهن، مشتقة من عدة منظورات، من المؤكد أن بعض المحتجين الذين لهم علاقة بالحركة، ينتقدون بشدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ورسالتهم هي أن الحروب المستمرة قلصت قدرة البلد على التعامل مع مشكلات أكثر جدية في الداخل، وبعضهم ربط بين إسرائيل وهذه الحروب، وهناك البعض الذين يلومون اليهود الأمريكيين على مشكلات البلد، لكنهم قلة قليلة، حتى لو أن الإعلام بذل جهده كي يجدهم ويجري لقاءات معهم. وفي الواقع، بعض الجماعات الأمريكية؛ التي هي في العادة شديدة الحساسية لقضية معاداة السامية، بما في ذلك (رابطة مكافحة التشهير) واللجنة اليهودية الأمريكية، قامت بإجراء تحقيقات خاصة بها، وقررت أن الحركة ليست معادية للسامية. كراهية اليهود وتساءل أحد الصحفيين العاملين في جريدة واشنطن بوست انضم إلى التجمع، ووصل إلى نتيجة عدم معاداة الحركة للسامية، لماذا إذاً تستمر المحاولات للربط بين الحركة وبين كراهية اليهود؟ وأوضح أن السبب هو أنه بالنسبة لبعض العاملين في أجهزة الإعلام، وبعض المستشارين في السياسة الخارجية، يرون أن أي انتقاد لإسرائيل، بشكل مباشر أو ضمني، أمر غير مقبول. ولفتت المدونة جنيفر روبن إلى وجود لافتة يحملها أمريكي عربي كتب عليها “غزة تؤيد حركة احتلوا وول ستريت” وانتقدتها، ووصفتها بأنها “مشهد خسيس”. مؤيدو إسرائيل وأثارت لافتة “غزة تؤيد حركة احتلوا وول ستريت” ردة فعل المحافظين الجدد في أماكن، مثل جريدة (وول ستريت جورنال)، (ويكلي ستاندارد)، و(نيويورك بوست). بالإضافة إلى جيلر ومقدم برامج الحوار، قائمة الجمهوريين البارزين والمحافظين الذين هاجموا حركة (احتلوا وول ستريت)، وهؤلاء هم في الحقيقة قائمة لأصلب مؤيدي إسرائيل، والقادة في نشر مفهوم “الإسلاموفوبيا” كجزء من الحوار الأمريكي، وقد تم تجميع كثير منهم بواسطة منظمة تدعى (لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل)، والتي يرأسها وليام كريستول من صحيفة (ويكلي ستاندارد). قيام مشجعي (لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل) بتأسيس “رئاسة موالية لإسرائيل” في الولاياتالمتحدة. قوانين التجديف وقال فرانك جافني، أحد مؤيدي مقولة التهديد الإسلامي للولايات المتحدة، يرأس مركز سياسة الأمن، وهو معروف بتعليقاته المتطرفة ضد المسلمين، بما في ذلك “إن المسلمين يحاولون فرض ما يعرف بقوانين التجديف في الشريعة الإسلامية، بحيث أن أي شخص يقول شيئاً ينتقد فيه الإسلام، مهما كان صحيحاً، يجب إسكاته. إنها في الواقع جريمة كبرى”. في يناير2011، ادعى جافني أن اتحاد المحافظين الأمريكيين، وهي منظمة من اليمينيين الجمهوريين، قد تم اختراقها من قبل الإخوان المسلمين. كما أصر أن الهدف من بناء المساجد هو “تدمير الحضارة الغربية من الداخل”. جافني دعا لتشكيل جمعية جديدة في الكونجرس للنظر في ما سماه “النشاطات غير الأمريكية” لدراسة نشاطات المسلمين الذين يعيشون في الولاياتالمتحدة، وهو الآن يربط بين حركة احتلوا وول ستريت وبين الشيوعية والنازية أيضاً. بليدون وأغبياء ويصف دافيد هورويتز، مؤسس مركز دافيد هورويتز للحرية، والذي هدفه المعلن هو “محاربة جهود اليسار المتطرف وحلفائه الإسلاميين لتحطيم القيم الأمريكية في زمن الإرهاب”، يصف مؤيدي حركة احتلوا وول ستريت بأنهم “بليدون” و”أغبياء”، واعترض روبرت سبنسر، الذي يدير موقعاً باسم (مراقبة الجهاد) (Jihad Watch) على الإنترنت، مؤخراً على أحد برامج الواقع الذي يصور العائلات المسلمة في الولاياتالمتحدة، وطالب بأن يتضمن البرنامج إرهابيين. وكتب روبرت سبنسر أن “التحالف اليساري” (الجهادي ) كان واضحاً خلال احتجاجات حركة احتلوا وول ستريت. ضرر أوباما ويرى العديد من المراقبين والمحللين أن إجماع عدد من النقاد والسياسيين في إدانة حركة احتلوا وول ستريت يصب في مصالحهم الأخرى، ويهدف إلى إلحاق الضرر بالرئيس أوباما، لكن انتقاد حركة احتلوا وول ستريت الضمني والصريح للسياسة الخارجية الأمريكية يتحدى أيضاً الرؤية، التي تتخذ من إسرائيل مركزاً للأمن القومي الأمريكي، فيما أن المطالبات بقطع أو تقليص المساعدات الخارجية تشكل تحدياً أكبر، حيث إن إسرائيل هي المستفيد الرئيس من مثل هذه المساعدات. ومجرد التلميح بأن المسلمين الأمريكيين ربما يشاركون في الاحتجاجات، أو أنهم متعاطفون معها يقدم الذخيرة الضرورية لتشويه سمعة بقية الرسالة التي يراد نقلها. كما هو الحال غالباً في السياسة الأمريكية، لذلك كان الرد المعادي للمراقبين والنقاد على حركة احتلوا وول ستريت هو في غالبيته يتعلق بإسرائيل. اندلعت الاحتجاجات في 17 سبتمبر2011 بخروج متظاهرين بالمئات في شارع وول ستريت في مدينة نيويورك الأمريكيَّة، وحاولوا احتلاله معربين عن رغبتهم بتحويله إلى «ميدان تحرير» أمريكي، واعتقلَت الشرطة الأمريكية 5 ناشطين في 19 سبتمبر و7 آخرين في اليوم التالي. وأصبحت المسيرات مطوقة بقوات الشرطة،وهاجمت الشرطة جميع المعتصمين الذين كانوا في ساحة يونيون البالغ عددهم 80 إلى 100 شخص واعتقلت معظمهم، ليتجهوا إلى ساحة في «حديقة زوكوتي» المُجاورة، حيثُ ابتعدت عنهم الشرطة، نظراً لأن الحديقة مكان عام يُفترض أن يفتتح طوال اليوم. وفي 30 سبتمبر قادت الحركة مسيرة إلى مقر شرطة نيويورك، لكن الشرطة اعتقلت سبعمائة شخص منهم، وانتشرت الاحتجاجات لتشمل مائة مدينة في الولاياتالمتحدة، لكن الشرطة هاجمت الاعتصامات مجدداً، واعتقلت أكثر من ثلاثمائة متظاهر في لوس أنجلوس وبوسطن وشيكاغو ووصلت المظاهرات إلى مدينة سينسيناتي في ولاية أوهايو الأمريكية تحتَ شعار «احتلوا سينسيناتي»، وكذلك نيويورك، ومازالت شرطة مكافحة الشغب تواصل انتشارها في وسط المدن لتفريغ الاحتجاجات.