الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    استنهاض العزم والايجابية    الملافظ سعد والسعادة كرم    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    أرصدة مشبوهة !    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تمهد الاسلاموفوبيا الى هولوكوست من نوع آخر؟
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 2010

سيكون من الشاق تحديد متى ظهر مصطلح (الإسلاموفوبيا)، الذي تم تعريفه ببساطة أنه رهاب الإسلام أو الخوف من الإسلام، ما يشير إلى الإجحاف والتفرقة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، بحسب بعض المصادر، ففي حين يرى البعض أنه استخدم للمرة الأولى في السبعينات لكنه بقي مصطلحاً نادر الاستخدام في الثمانينات والتسعينات. ويتفق الجميع أنه بعد أحداث «11 سبتمبر» تحول المصطلح من علمي محدود الانتشار الى مصطلح إعلامي كثير التداول.
وقد ارتبط هذا المصطلح بقوالب جاهزة متعددة ومختلطة هي: إسلام، عرب، أصولية، إرهاب...!
كانت هوليوود في الستينات والسبعينات، حين اشتعال أزمة البترول العالمية، تقدم صورة العربي الشهواني، المحاط بالدولار والنساء والخمر والقهقهات. في التسعينات وفي ما بعد أحداث 11 أيلول تحولت الصورة النمطية للشخصية الهوليوودية إلى صورة المسلم الملتحي أحياناً والعبوس دائماً، وبجانبه المصحف والمسجد.
وتقوم بنية مصطلح الإسلاموفوبيا على مسلمات نمطية افتراضية، من أبرزها:
1- الصلة العضوية بين الإسلام والعنف.
2- التعارض المبدئي بين الإسلام والديموقراطية.
3- العداء المطلق بين الإسلام والعلمانية.
وقد فصّل هذه المسلمات النمطية المجملة، التقرير البريطاني: «الإسلاموفوبيا: تحدّ لنا جميعاً» الصادر عام 1997 عن مركز بحوث رنيميد المؤثر في شؤون محاربة العنصرية. حيث حدد التقرير أن بنية «الإسلاموفوبيا» خصوصاً في سياق استخدامها الإعلامي، تحوي ثمانية عناصر: الإسلام كتلة واحدة وجامدة ولا تستجيب للتغيير، ويقع النظر الى الإسلام على أنه «الآخر» الذي ليس له شكل جوهري أي نقاط مشتركة مع ثقافات أخرى، وأن الإسلام أدنى مرتبة من الغرب فهو بربري وبدائي وغير عقلاني، كما ينظر إليه أنه عنيف ويغذي الإرهاب ومن ثم يغذي صراع الحضارات، وكذلك على أنه نظرية سياسية متكاملة، وأن أي انتقادات تصدر عن الإسلام الى الغرب يقع رفضها في شكل آلي، وأنه يتم توظيف الإسلاموفوبيا للتمييز ضد الأقليات المسلمة، وأخيراً أن العداء الموجه ضد المسلمين يتم التعامل معه على أنه أمر عادي!
وليس أفضل وأبلغ من الرجوع الى التعريف الشامل الذي وضعه الاتحاد الأوروبي في تقرير أصدره عن الإسلاموفوبيا وتأثيرها على الشبيبة (2005): «الإسلاموفوبيا هي الخوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام والمسلمين وما يتعلق بهم، سواء تم التعبير عنه بالأشكال اليومية للعنصرية والتمييز أو في أشكاله الأكثر عنفاً. الإسلاموفوبيا هي انتهاك لحقوق الإنسان وخطر على التماسك الاجتماعي».
وعلى هامش الدورة ال 54 للأمم المتحدة قدم المقرر الخاص حول الأشكال المعاصرة للعنصرية، تقريراً أمام لجنة حقوق الإنسان جاء فيه أن مختلف أشكال العنصرية ومعاداة الأجانب الموجهة ضد العرب، تتضاعف في اتجاه الإسلاموفوبيا.
من يقف وراء «الإسلاموفوبيا»؟
تتنوع الجهات والتكتلات التي تقف وراء تأجيج الإسلاموفوبيا، ويبلغ هذا التنوع وجود مسلمين يسهمون في شكل مؤثر وبالغ في نشر وتعزيز هذه الموجة الخوفية.
سنبدأ في الجانب الغربي، حيث تنطلق فكرة تعزيز الإسلاموفوبيا من ثلاثة منطلقات أساسية:
الأول: القلق من أسلمة العالم، وهو هاجس يبدو مقلقاً لدى عدد من مثقفي واستراتيجيي أوروبا، لم يعد خافياً أو مستتراً كما كان من قبل، إذ أصبح الكثير منهم يعلن أن تزايد أعداد المسلمين في الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط هو تهديد واضح للتوازن الديموغرافي مع دول الضفة الشمالية منه، خصوصاً في ظل تزايد الهجرة من دول المغرب العربي الى دول أوروبا. هذا التزايد السكاني للمسلمين لا يتوقف عند حدود أوروبا فقط، بل هو يمتد إلى الشرق والشرق الأوسط، لكن القلق الأوروبي يظل هو الأبرز بحكم التهديد الذي يمس قلب العالم المسيحي، أو قلب العالم العلماني بصورة أخرى أيضاً. وفي هذا يكشف الكاتب الفرنسي فنسان جيسير صاحب كتاب (الإسلاموفوبيا الجديدة): «عن نزعة عامة لدى وسائل الإعلام في اتجاه لجعل معركتها وقيمها أدوات في خدمة هوس واحد هو: مقاومة أسلمة فرنسا، ويشير بيرنسل هوغوز بنبرة تحذيرية الى أن اختلال التوازن السكاني الذي يجري في منطقة البحر الأبيض المتوسط لمصلحة الضفة الجنوبية سيعجل فرضية عودة الإسلام بقوة لأوروبا في القرن المقبل».
من جانب آخر، فإن باحثين يسمون ما يجري بأنه ليس إسلاموفوبيا بل هو (دينوفوبيا)، وأن هذه الفئة تنطلق في خوفها من الأسلمة ليس لأجل خدمة دين آخر بديل عن الإسلام، بل لأجل عالم خالٍ من الأديان.
الثاني: تداخل العنصرية القومية بالعنصرية الدينية: وهو تداخل قد يكون لا إرادي أحياناً، إذ يكمن في العقل الباطن للباحث أحياناً ضدّية مزدوجة ينصهر فيها القومي بالديني. ويتجلى هذا الارتباك الأيديولوجي أكثر ما يتجلى عند الكاتب الفرنسي الكسندر دل فال، الذي كان، ما قبل 11 أيلول 2001، يتبنى أطروحة تفسيرية لما يحدث في العالم تنطوي على تحالف بين البروتستانتية الأميركية والحركات الإسلامية حيث يرى «أن كلاً من الحضارتين الإسلامية والأميركية المتزمتة قد تأسست على الاستئصال التام للثقافات التي سبقتها بعدة آلاف من السنين. ويضيف دل فال: «فمن وجهة النظر التاريخية نميل كثيراً لتناسي أن الحضارتين الإسلامية والأميركية قد تأكد أنهما مضادتان لأوروبا، وأن كلاً منهما حاولت بطريقتها الخاصة أن تستأصل الإرث المتعلق بهوية شعوب القارة العجوز!». وفي موقع آخر يؤكد دل فال الفوبيا التي لديه من تحالف أميركا والإسلام، بقوله: «إذا كان ثمة خطر عنصري حقيقي في الغرب فهو ليس نتيجة التحرك المشروع للشعوب الأوروبية العريقة في الدفاع عن هويتها المهددة في بقائها من طريق امبرياليتين متنافستين وفي ذات الوقت متحدتين في التعطش للانتقام من أوروبا: إحداهما آتية من واشنطن التي تعمل في تخطيط محكم لإبادة كل ما هو ثقافي، والأخرى تقبع في مكة وتجعل هدفها الغزو الأيديولوجي الديني والسكاني للقارة العجوز أولاً، ثم العالم أجمع بعد حين، وهي الجهاد الإسلامي الجديد». لكن دل فال المنغمس بين تجاذبات العنصرية الدينية والعنصرية القومية يرتبك في تحليله بعد وقوع أحداث 11 أيلول بين عدوّيه المتحالفين! يصف جيسير في كتابه (الإسلاموفوبيا) المأزق الايديولوجي لدى دل فال بالقول: «لم تتغير تحليلات دل فال كثيراً بعد 11 أيلول، إنه يوسع فيها ذات الأفكار التي نسجها خياله عن الانتصارات التي تحققها التنظيمات الإسلامية في العالم، ويضفي عليها هالة من التضخيم، وقد اختفى تقريباً عداؤه لأميركا، أما فرضيته الأساسية عن المؤامرة العالمية التي تجمع الإسلامويين والأميركيين ضد أوروبا الموحدة فقد أسدل عليها الستار تماماً. وثمة تحول مهم لدى خبير الجيوبوليتيك: إن إسرائيل التي كان يعتبرها في كتاباته الأولى تابعاً لأميركا في منطقتها، صارت عنده من الآن فصاعداً الضحية الأولى للإرهاب الإسلامي، فهو بهذا تطهر عن كل شيء يُصوب نحوه سهام معاداة السامية والصهيونية».
ويوجز فنسان جيسير مراحل التعنصر بتحول المسميات والإهانات العنصرية في أوروبا، ففي الستينات والسبعينات كانت الإهانة العنصرية الدارجة هي قول (المهاجر القذر) ثم تطورت الى (العربي القذر) أو (المغاربي القذر)، أما اليوم فقد تمت أسلمة الإهانة وأصبحت عبارة (المسلم القذر) شائعة كشكل من أشكال الإسلاموفوبيا. وإزاء ذلك لا بد بالطبع من أن يعلو ضجيج التحريض ضد العرب والمسلمين والمبالغة المثيرة في تصوير العرب كبرابرة والمسلمين كوحوش يفطرون على جثث الأطفال ويتغدّون الرجال ويتعشون الحريم (النساء)، ويعادون الحضارة ويصدرون الإرهاب.
ويشخص رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك الكاتب الفرنسي آلان جريش هذا التلاعب بالعنصرية بين الديني والقومي بأن جزءاً من الناس يخفون عنصريتهم تحت مظلة الإسلاموفوبيا عندما يقولون إنهم ليسوا ضد العرب لكنهم معادون لدينهم ويعيبون على العرب كونهم يتمسكون بدين يمنعهم من الاندماج ويضطهد المرأة ويعادي الجمهورية.
الثالث: تغطية جرائم إسرائيل وضغوط الصهيونية:
وهنا يكمن التنازع في مشهد الكراهية بين الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) ومعاداة السامية (الأنتي سيميتزم)، إذ لا يمكن أن تثبت أنك بريء وخالٍ من أعراض «العداء للسامية»، وهي براءة مهمة في الغرب من أجل النجاح والسلامة! ما لم تكن مؤمناً ومعززاً لهاجس الإسلاموفوبيا، الجناح الآخر الذي يحتاجه الإنسان الغربي، مع جناح عدم معاداة السامية، للطيران والتحليق في أجواء الرفاهية واللمعان الإعلامي والمالي.
أما على المستوى السياسي والشعبي فإن تأجيج هاجس الإسلاموفوبيا سيمنح فرصة أكيدة لتغطية الجرائم الصهيونية والإبادة المرتكبة ضد الفلسطينيين، خصوصاً عندما يتم التحذير دوماً من أن أي انتقاد لدولة إسرائيل أو الهمجية الصهيونية إنما هو شكل من أشكال معاداة السامية. إذ يؤكد الكسندر إدلر في عمله الجماعي (شرح الصهيونية لأصدقائنا)، «أنه لم يعد من الممكن تصور هوية يهودية لا تحتوي مقوماً صهيونياً قوياً». وفي الساحة الفرنسية بالذات وقع استعمال مقولة العداء للسامية ومساواتها بالعداء لإسرائيل، عندما لاحظ اليمين اليهودي الفرنسي المتطرف أن الكفة بدأت تميل للإسرائيليين إثر النقد الإعلامي للاعتداءات الإسرائيلية، حيث يقول الكاتب اليهودي الفرنسي إريك هزان بأن الخلط كان متعمداً من قبل قادة الطائفة اليهودية الفرنسية بين العداء للسامية والعداء للصهيونية، وكان ذلك بتحالف ضمني بين اليمين المتطرف واليمين الصهيوني اللذين اجتمعا على الكراهية للعرب، خصوصاً حين رأوا أن الرأي العام الفرنسي بدأ يميل لكفة الفلسطينيين».
حسناً، هذا كان في ما يخص المثقفين الغربيين والمؤسسات الغربية وإسهامها في نشر ثقافة الإسلاموفوبيا. لكن ماذا عن إسهام المسلمين في تعزيز الإسلاموفوبيا؟!
في هذا الصدد يجدر الحديث عن نوعين من الإسهام، الأول هو الذي يأتي من لدن الجماعات الإسلامية المتشددة، حين تتخذ العنف والإرهاب وسيلة لتعاملها مع الآخر (علماً بأن هذا الآخر ليس هو دوماً من غير المسلمين!)، لكن هذا الإرهاب الذي يفجر باسم الإسلام لا بد من أن يسهم في تكوين مشاعر خوف من الإسلام، خصوصاً ممن لا يعرف الإسلام وبالتالي لا يستطيع التفريق بين قيم الإسلام وممارسات المسلمين.
لذا فإننا مهما تحيزنا لذواتنا، فلا نستطيع أن نخلي مسؤوليتنا كمسلمين من تحمل قسط كافٍ من شيوع الإسلاموفوبيا، بغض النظر عمن يشيع هذا المفهوم أو الهاجس من زرّاع الكراهية من الطرفين.
صنف آخر من المسلمين ممن يسهمون في خدمة الإسلاموفوبيا هم من يمكن وصفهم ب (الإرهابيون الجدد).
هم أولئك الفئة من المسلمين الذي يخوفون الناس من الإسلام، من منطلقات لا دينية بل براغماتية نفعية، يسميها فنسان جيسير: (إسلاموفوبيا مسلمة Islamophobie musulmane) يقدمها من يسميهم جيسير: (مسلمون تحت الطلب)! وهم فئة من الكتّاب المسلمين الذين أصبحوا ضيوفاً دائمين على الإعلام الغربي وخبراء في عدد من المؤسسات ذات الصلة، حيث أنهم يؤدون دور (الشاهد من أهله) وهي شهادة مضاعفة القيمة والأثر.
لا نعني الذين يتحدثون عن الحركات المتطرفة أو العمليات الإرهابية بالنقد والتحليل، فهذا أمر متاح لهم ولغيرهم، لكن فنسان جيسير وآلان جريش ودومينيك فيدال يتحدثون عن أولئك (المسلمين) الذين يزرعون الخوف الشمولي من الإسلام بوصفهم شهوداً من الداخل على العنف الأصيل في الدين الإسلامي، ثم يلعب هذا الخبير، ذي الاسم الإسلامي الرنان!، على لغة التهيؤات والرعب التي تتيح له كوسيلة أخيرة تبرير بقائهم «خبراء إعلاميين».
أي أن إسهام المسلمين أنفسهم في تأجيج الإسلاموفوبيا يمكن إيجازه في شكلين: التخويف بالإسلام أو التخويف من الإسلام!
تبين لنا مما سبق الكثير من التلاعب بالمصطلحات والمسميات والمفاهيم. ولا شك أن الكسندر دل فال صاحب نظرية تحالف الإسلام وأميركا ضد أوروبا، هو أبرز المتلاعبين بالمفاهيم، فبعد هجمات أيلول تبنى دل فال الذي أصبح أوسع الخبراء انتشاراً في وسائل الإعلام، فكرة الكتل الحضارية وربطها بمناخ الإرهاب الجديد، فمن طريق التلاعب بالألفاظ تحول مصطلح (إسلام) بانتظام الى مصطلح (إسلاموية Islamisme) كما لو أن الكاتب أراد من الآن فصاعداً أن يدخل في تحليلاته بعض الغموض، مميزاً بين مسلمين معتدلين ومسلمين متشددين. ولنا أن نتساءل أمام دل فال وأمثاله من الباحثين، كيف يمكنه أن يؤمن بوجود مسلم معتدل في ظل قناعته بأن الإسلام دين عدواني؟! إنه المسعى غير الواضح للبحث عن أو تكوين مسلم مفرّغ من محتواه.
كما يتم الخلط والتلاعب بين الإسلام كدين والمسلم كإنسان، يتأثر بما حوله من ظروف سلبية اضطهادية خصوصاً تجعله يوظف الدين من أجل الإنعتاق من الظلم أو من أجل الانتقام. تماماً كما سبق الإشارة الى الخلط بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة عنصرية إرهابية.
وفي هذا الصدد، فإننا كثيراً ما نهمل البحث أو الإشارة الى تفسير دوافع العنف، ليس من منطلق تبريري، بل تفسيري للوقائع المحيطة بالعنف.
يجب أن ندرك شطري معادلة ذات اتجاهين تتلخص في أن: العنف يؤدي إلى الفوبيا، وبالمقابل أيضاً فإن الفوبيا أيضاً تؤدي إلى عنف.
من معاداة السامية إلى الإسلاموفوبيا
سيطرت على أوروبا والولايات المتحدة لعقود طويلة، وما زالت، ضغوط التحذير من معاداة السامية، وأن أي انتقاد لليهود أو لإسرائيل وأي تشكيك في الهولوكوست حتى لو كان تشكيكاً طفيفاً في الأرقام أو في الدوافع أو في المجريات، فإن المتفوه بأي من هذه يعتبر معادٍ للسامية، وهي تهمة أكبر من أي تهمة جنائية أخرى!
لكن بعد الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية المتكررة على الشعب الفلسطيني أصبحت معاداة السامية تهمة غير مخيفة كما كانت قبل التسعينات، وغير مؤثرة في حماية صورة إسرائيل من النقد. لذا جاءت الإسلاموفوبيا كمعزز لحماية صورة إسرائيل وإظهارها بالضحية الأولى أمام المد الإسلامي. يشير الى هذا صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية صدام الحضارات عندما يكتب: «إن معاداة السامية الموجهة نحو العرب قد حلت بقدر كبير في أوروبا محل تلك التي كانت مصوبة نحو اليهود».
يأتي هذا التحليل باعتبار أن العرب هم ساميون أيضاً. وقد ذهب عالم الاجتماع السويسري كورت إيمهوف الى القول: «إن الإسلاموفوبيا باتت تفوق معاداة السامية من ناحية الأهمية». واعتبر دودو ديين مقرر المفوضية السامية لحقوق الإنسان لمناهضة العنصرية، الإسلاموفوبيا الشكل الأكثر خطورة للعنصرية في أوروبا اليوم. تتجلى بصورة حادة فكرة الربط بين معاداة السامية والإسلاموفوبيا فيما أشار إليه السياسي الهولندي اليميني غيرث ويلدرز الذي فاز في الانتخابات، عندما أخبر ناخبيه أن «القرآن لا يختلف عن كتاب كفاحي لهتلر»! لأجل هذا لم يتردد المحامي في قضية مقتل مروة الشريني بالإعلان أمام المحكمة أن المسؤول الرئيس في هذه الجريمة هو الإعلام المحرض.
ويبقى سؤال: هل ستكون الإسلاموفوبيا هي الأداة التحريضية لارتكاب هولوكوست جديدة، ولكن هذه المرة ضد المسلمين؟!
كتب المفكر الأميركي الروسي الأصل بيتريم سوروكين يقول: «في الأوقات العادية تكون التأملات بصدد مصير البشرية (من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟) وعن المجتمع البشري الراهن، في العادة من حصة فئة ضئيلة التعداد من العلماء والباحثين، ولكن في أزمات المحن الجدية تكتسب هذه المشاكل على حين غرة أهمية استثنائية، لا نظرية فحسب، وإنما أيضاً عملية وتشغل بال الجميع، المفكرين وبسطاء الناس. ويشعر قسم هائل من السكان بأنهم منقطعون عن التربة وفاقدون للدم ومشوهون ومضغوطون بوطأة الأزمة، ويفقد تماماً إيقاع الحياة الاعتيادي وتنهار وسائل الدفاع الذاتي المعهودة».
وأختم ورقتي هذه بحكاية ساقها فنسان جيسير في ختام كتابه (الإسلاموفوبيا): طرح أحد الصحافيين في نيويورك على ملاكم القرن، محمد على كلاي سؤالاً يقول فيه: كيف تشعر بفكرة أنك تتشاطر ذات الدين مع المتهمين الذين أوقفتهم المباحث الفيديرالية في أعقاب تفجيرات أيلول؟ فكان رد محمد علي: وأنت كيف تشعر بفكرة أن هتلر يتشاطر معك ذات الدين؟!
* سفير السعودية لدى اليونسكو، والنص ورقة قدمها في الندوة التي عقدت في مقر المنظمة في باريس، عن «الإسلام والإسلاموفوبيا والتقارب بين الثقافات».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.