يحذر معماريون ومؤرخون عراقيون من إهمال رسمي بات يهدد المراكز والمنازل التراثية والتاريخية المنتشرة في المدن العراقية، والتي يعود تاريخ تشييدها إلى حقبات زمنية مختلفة. وفي ندوة ثقافية عقدت في بغداد، وكرست لبحث السبل الكفيلة للمحافظة على التراث المعماري، قال المعماري العراقي هشام المدفعي إن “التراث المعماري في مراكز المدن بات الآن يتطلب خطوة مهمة للمحافظة عليه”. وأضاف “تحدثنا منذ سنوات طويلة عن أهمية الحفاظ على المراكز والمباني التراثية سواء المنتشرة في مراكز المدن العراقية، وفي العاصمة بغداد، ولكن مع الأسف لم تجد تلك الدعوات استجابة من قبل المؤسسات الحكومية والسلطات”. وذكر إن “رصافة بغداد مثلاً كانت مليئة بالمراكز والمنازل والدور التراثية، لكن لم يتبق منها سوى 200 دار، وهذه خسارة كبيرة ناتجة عن غياب التخطيط والاهتمام بالتراث”. وبعد العام 2003، أزيلت المئات من البيوت التراثية المنتشرة في جانب الرصافة من بغداد، وفي المنطقة المحصورة بين شارع الجمهورية وباب المعظم حتى ضفة نهر دجلة، وتحولت إلى مراكز تجارية ومحلات. وقبل هذا التاريخ كانت هناك قوانين صارمة تحد من هدم البيوت التراثية وتحويلها إلى محال تجارية، مثلما يحصل الآن. وكان العام 1982 شهد إقامة أول مؤتمر في بغداد مخصص لحماية العناصر التاريخية شارك فيه أكثر من 300 باحث ومؤرخ ومفكر، وخرج بتوصيات تهدف لحماية المباني والمراكز التراثية. وفي العام 2006، عقد في بغداد مؤتمر برعاية وزارة الثقافة العراقية للغرض ذاته، وفي عام 2010 أقامت أمانة بغداد مؤتمراً لاستشاريين معماريين من مختلف دول العالم يهدف إلى المحافظة على الموروث العمراني، إلا أن تلك المؤتمرات لم تقترن بخطوات عملية تشير إلى سعي المؤسسات المعنية للحفاظ على المراكز التراثية. وقال المدفعي، الذي عمل لسنوات طويلة في أمانة بغداد خبيراً ومهندساً معمارياً متخصصاً في التخطيط العمراني للمدن، إنه “في الموصل (350 لكم شمال بغداد) القديمة كان هناك 16 جامعاً تراثياً، و16 كنسية، ومنازل تراثية قديمة تعود إلى بين 200 و250 سنة”. وذكر أن “هذه المنطقة، ومساحتها نحو كيلومترين مربعين، تواجه الإهمال والاندثار بعدما فقدت مضامين تراثية كثيرة خلال السنوات الماضية، والحال ذاته في قلعة وأسواق كركوك (240 كلم شمال بغداد)، وأربيل (320 كلم شمال بغداد)”. وطالب المدفعي “الجهات الحكومية بأن تقوم بإدراج عمليات المحافظة على التراث ضمن التخصيصات الاستثمارية للمؤسسات المعنية لتقوم بصيانة المباني والمحافظة عليها من الزوال بعد إجراء دراسات أولية لتحديد تلك المراكز في المدن العراقية”. من جهته، قال المؤرخ العراقي سالم الألوسي: “هناك مراكز تاريخية وتراث حضاري ضخم ورثته بغداد التي يبلغ عمرها الآن 1250 سنة، وهناك مراكز تاريخية تعود إلى ما قبل الإسلام، وخصوصاً في منطقة عكركوف، لكنها لم تلق الاهتمام للمحافظة عليها”. وأضاف خلال الندوة، التي نظمتها مؤسسة المدى للثقافة والفنون والإعلام في مقرها بالعاصمة، أن “أفضل حقبة مرت بها بغداد كانت في عمر الملكية، وليست هناك مؤسسة فكرت بالاحتفاظ بالتراث مثل ما فكر وعمل المسؤولون خلال تلك الحقبة”. أ ف ب | بغداد