القطيف : معصومة المقرقش في القطيف دون غيرها، تختلط أشعة الشمس بعبق الحارات والأزقة، وشذى أبطال الصبيحة المهللين المؤازرين بعضهم، تحُفهم ما تشتهيه ذائقة القطيفي الموسمية، رائحة البصل المحمص بعناية؛ والمُعد خصيصاً لوجبة الأرز المحموص التي اشتهرت بها قدور الطبخ القطيفية. الأرز المحموص الذي اشتهرت بهِ بعض “بلدات” محافظة القطيف يمتاز بلونه البنّي الغامق المائل إلى السواد قليلاً، وذلك كنتيجة لوجود كميات البصل الكبيرة المحمصة جيداً بالزيت في قعر القدر، والليمون الأسود الجاف، ويؤكل بلا لحم أو دجاج . وفي بلدة “سنابس” التاروتية المشهورة والمعروفة بإعداد الأرز المحموص، تقول “رباب القديحي”: “إن نساء سنابس تميزنّ في إعداده بنفسٍ سحرية؛ فلا تكاد تجد أي سيدة لا تستطيع إتقانه أو حتى تُميز جيده من رديئه، والأمر لا يتعدى مراعاة بعض القواعد، واستخدام أساليب أو إضافات، أو توقيت للطهي، أو التتبيل الذي يمنح الأرز المحموص طعماً يتميز به”. أما الباحث التاريخي “علي الدرورة” والذي تربى منذ نعومة أظافره متجولاً بين أحياء بلدته حاملاً أطباقا من الأرز المحموص -الذي كانت تُعده أو تقتنيه أمه- ليوزعها على جيرانهم في بعض المواسم الدينية، ينفي أن تكون هذه الوجبة من الأكلات البحرية التي كان يعدها البحارة على متن مراكبهم، لافتاً إلى أنها تحتاج لكميات كبيرة جداً من البصل المحمص حتى يكتسب الرز الأبيض لونه البني الغامق، وهذا مما لا يتوفر على ظهر المراكب. كما ينفي أن تكون للحالة الاقتصادية المتردية التي عاشتها جزيرة تاروت، وبلداتها منذ القدم دخلاً في انتشار هذه الوجبة الغذائية. ما اصل المحموص ؟! ويقول الدرورة ل( الشرق): “إن بعض الوجبات ارتبطت بمناسبات دينية، وأخرى اجتماعية معينة لذلك شكَّل الأرز المحموص سمة من سمات عاشوراء القطيف؛ فلم يخرج خارج إطار هذه المناسبة إلا في نطاق ضيق جدا”.. ويضيف: “في صبيحة أيام عاشوراء يبدأ العمل على قدم وساق من إعداد القدور، وإشعال النار إلى تقشير البصل، وتقطيعه على شكل شرائح (أهلة) أي بطول الثمرة، إلى تحميصه) تحميسه) -باللهجة القطيفية الدارجة- في قعر القدرمع الزيت دون إحراقه لحين يتغير لونه الزهري إلى البني المحروق “المسود قليلاً”، حتى إضافة الماء ومن ثم اللحم والأرز عليه بعد ذلك. من عمل فردي إلى جماعي وتشترك مجاميع الشباب إلى جانب كبار السن المشهورين بإعداد الأرز في أعمال الطبخ من تقطيع بصل، أو سكب الأرز في أطباق التقديم للزوار بعد إعداده مباشرة، وتوزيعه على البيوت والمارة في الشوارع، كصورة تعكس مدى الإلحاح الجميل على ربط جميع مكونات المجتمع بعضه ببعض. وتحول طبخ الأرز سواء كان محموصاً، أو غيره من الطبخات الأخرى في المواسم الدينية والاجتماعية بمحافظة القطيف مع مرور الزمن من عمل فردي إلى عادة تطوعية، وأرث شعبي يتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، إلى أن تطورت، وتفرعت منه جميع الأعمال التطوعية الأخرى في المحافظة. وتشكلت في السنوات الماضية لجان شبابية عملت جاهدة على إعداد، وتهيئة مكان الطبخ في بعض الطرقات والساحات القريبة من المساجد، بتوفير مستلزمات الطبخ من قدور، وأواني ، والآلات لتقشير البصل ، وتقطيع اللحم، والدجاج، تحت مسمى ( مضيف). . وفي المضيف تنوعت الأطعمة، وتعددت الخيارات المتاحة للزوار فكان إلى جانب الأرز الفطائر وبعض المشروبات الساخنة من القهوة، والشاي، وشراب القرفة ( الدارسين) والحليب، كما تحظى تلك ( المضيفات) المنتشرة في محافظة القطيف في المواسم الدينية والاجتماعية بمساعدة الأهالي التي لم تبخل بتقديم مساعداتها المادية والعينية للجان الشبابية الفاعلة. أكلات شعبية | القطيف