يتميز المخرج النمساوي مايكل هانيكيه (70 عاماً) بطريقته الفريدة في جذب المشاهد إلى متابعة أفلامه، من تحركات الكاميرا أثناء التصوير، إلى الاستخدام الأقل للموسيقى، والانتقال المتقن والسريع بين المشاهد، وهذا ما قدمه في فيلمه الأخير آمور «الحب» الفائز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي 2012م. ويصور الفيلم قصة زوجين متقدمين في السن يواجهان المحن معاً بكل وفاء لبعضهما بعد عمر طويل من الزواج، حيث يبتعد المخرج لأول مرة عن قصصه العاطفية التقليدية، ويخرج فيلمه الأكثر إنسانية في حياته المهنية. ويعرض الفيلم قصة الزوجين جورج وآن (في الثمانينيات من عمرهما)، في دراما إنسانية للكاتبين جين لويس ترنتيغنانت، وإيمانويل ريفا. حيث يستيقظ الزوجان في صباح أحد الأيام، ويستعدان لوجبة الإفطار، وعندها تبدأ آن بالتعب، وتكتشف أنها مصابة بسكتة دماغية، وهكذا يبدأ اختبار حب الزوجين لبعضهما حين تبدأ حالتهما بالتدهور، ويتخذ الزوج جورج قرارات صعبة حول الحياة والموت. وتدور جميع أحداث الفيلم ما عدا مشهده الافتتاحي في شقة صغيرة وسط باريس، في حي مغلق صغير مليء بالممرات، ولكن موقع التصوير لا يُشعر المشاهد أبداً بأنه في فيلم رعب، بل يزيد حزن ومأساة الزوجين قوة. وتلعب الممثلة إيزابيل هوبير دور ابنة الزوجين، التي تزور والديها باستمرار للاطمئنان عليهما، في حين تتزايد التوترات، مع تلاعب هانيكيه بالانفعالات النفسية، ولكن ما ميز هذا الفيلم هو عمق الألم في كل شخصياته. وأتت بعض المشاهد مستفزة للعواطف، حين يواجه جورج اللحظات الأخيرة في حياة زوجته وهو يراها تبتعد عنه تدريجياً بسبب المرض الذي يرجعها لتصرفات الطفولة، ويكافح الخوف من فقدان السيطرة على حالتها. وهناك بعض المشاهد العبقرية في الفيلم التي لا تبعد المشاهد عن جوهر الحدث، مثل وجود بعض الكوابيس، وتربية طير الحمام. و»آمور» هو أقوى فيلم يعرض قوة الحب لأشخاص سكنوا دائماً في قلوبنا، كونه يثير في المشاهد تساؤلاً عن جوهر الصدق والأخلاق والحب عندما يواجه مشكلات مصيرية، وبذلك جاء الفيلم مغايراً تماماً لأفلام هانيكيه المعتادة، التي تعتمد على المشاهد الإباحية المزعجة للمشاهد، كما في فيلمه «المخبأ» عام 2005، وفيلمه باللغة الألمانية، الذي أعيد إنتاجه باللغة الإنجليزية «ألعاب مضحكة» في عامي 1997 و2008، وفيلمه الدرامي الذي يناقش علاقات الجنس بين أجيال مختلفة «معلمة البيانو» عام 2001. وكان أحد أفلام المخرج هانيكيه رُشح لجائزة الأوسكار عام 2010، ولكنه لم يفز بها. وأثار تصوير الفيلم لزوجين مسنين ردود فعل قوية بين رواد المهرجان والنقاد الذين وصفوا هانيكيه بأنه جسد كل جوانب السوداوية التامة للتقدم في السن، وقدرة الزوج على التفاني، إلا أن المخرج قال «لا أعتقد أن الفيلم لكبار السن فقط، بل هو يناشد جميع الأعمار».