آلاف التعليقات يوم السبت الماضي في الموقع الإلكتروني لجريدة الأهرام وغيرها من الصحف المصرية على خبر استجابة خادم الحرمين الشريفين للوفد الشعبي المصري في عودة السفير السعودي إلى القاهرة واستئناف نشاط السفارة والقنصليتين العاملتين في الإسكندرية والسويس. وهو الخبر نفسه الذي حظي بتعليقات كثيفة في مواقع الصحف السعودية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات المختلفة. وكانت الوجهة الإجمالية لتلك التعليقات في البلدين مبتهجة بانقضاء الأزمة، ومعبِّرة عن ضيقها بكل ما يؤدِّي إلى جرح المودة بين البلدين وتأزيم علاقاتهما المتعددة المستويات. في التعليقات المنشورة في الصحف المصرية على وجه الخصوص يبرز صوت إخواننا المصريين العاملين في المملكة، وهم يكيلون اللوم للذين صنعوا الأزمة من وسائل الإعلام والعامة في مصر، وينكرون عليهم مزاعمهم التي تكشَّف زيفها مبكِّراً على لسان السفير المصري في المملكة، ويحمدون الله على انقضاء الأزمة. وفي التعليقات المنشورة هنا وهناك تكرار للتعبير عما أحدثته الأزمة من صدمة لدى المصريين والسعوديين على حد سواء. لكن القارئ لن يلبث أن يعود مع بعض التعليقات إلى ذلك الأفق المحدود والضيِّق الذي يشكِّل الأرضية التي ينشأ عنها أي تصادم، فهناك تعليقات تسائل الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب: أن «الشعب يريد أن يعرف كم عدد أعضاء الوفد الذي رافقكم في رحلتكم إلى المملكة؟ وكم تكلفت الرحلة؟ ومن تحمل التكاليف؟» وأخرى تذهب بمعزوفة الكرامة إيّاها إلى الحط من فكرة الوفد الشعبي وارتحاله! تجلَّت الأزمة عن نجوم بأكثر من معنى، وأولهم سفيرنا أحمد قطان، الذي يعاين المرء فيه منذ نشوب الأزمة وفي كل أحاديثه ومقابلاته نموذجاً للشخصية الدبلوماسية وسيكولوجيتها بأرقى مستوياتها لياقة وأكثرها احترافاً. لم يبد السفير قطان منفعلاً أبداً في موقف بصدد الأزمة، لم يبد أبداً في رد فعل غير محسوب، وكانت عباراته معبرِّة عن التقدير لمصر، بقدر ما كان لوجهه المعبّر عن امتلاكه للثقة والصدقية، والمشرق بدلالة السماحة والدماثة، والمكتنز بالنبل والكبرياء ما ضاعف من دلالة ملفوظه وأفعال كلامه. وتفرَّد السفير المصري في المملكة محمود عوف، على الرغم من قلة حضوره في الفضائيات، بلهفته وقلقه اللذين نشرا وعياً مسؤولاً وشديد اليقظة، وهو يطرح أسئلته المتقلِّبة بين الإنكار والدهشة والحقيقة في إحدى الفضائيات المصرية: «ما اعرفش مين ألف الكلام ده..؟ ما اعرفش أنا التأليف الِّي بيحصل في مصر ده بيجيبوه منين؟! ... هو لم يُقَدَّم إلى المحاكمة بَعْد، ولم يصدر ضده أحكام بَعْد. أرجوكم توعُّوا الناس إن الحبوب المخدِّرة جريمة في مصر وفي السعودية وفي كل بلد في الدنيا». أما تلك السيدة التي تداولت الفضائيات والهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي، سبابها وشتيمتها للفقر والبداوة والأمية وملحقاتها، فلم يكن حظها من النجومية قليلاً. وربما لم يعرف كثيرون اسمها ولا وسمها ولكنهم عرفوا لساناً سليطاً وبلا وعي إنساني أو وطني أوعقلاني! فليس الفقر مسبّة، وما ذنب الملايين من الفقراء والأميين في بلدها مصر لم توفِّرهم شتيمتها؟!