يثير أنبوب لنقل النفط يعبر موقع بابل الأثري جنوب بغداد، احتجاجات مسؤولي الآثار في بلاد يتمتع فيها الذهب الأسود بأهمية أكبر من تلك التي تحظى بها آثار تعود إلى آلاف السنين. ويقول رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث قيس حسين رشيد لوكالة فرانس برس إن «وزارة النفط نفذت أعمال حفر ومدت أنبوبا لنقل المشتقات النفطية عبر موقع بابل الأثري بعمق 1,70 متر وعرض حوالى مترين وعلى مسافة 1550 مترا». ويؤكد رشيد أن «الأعمال ألحقت أضرارا لا تقدر بثمن بحق آثار تعود للعصر البابلي (620 قبل الميلاد)، خصوصا أنها جرت في أراض لم تجر فيها أعمال تنقيب حتى الآن». وتعد بابل من أقدم مواقع التاريخ البشري نظرا لما تحتويه من آثار سومرية (بين 2500 و4500 قبل الميلاد) وخصوصا أسد بابل، أحد رموز العراق حاليا. وكانت بابل التي تبعد مسافة 90 كيلومترا إلى الجنوب من بغداد عاصمة أشهر ملكين في الحقب القديمة هما حمورابي (1750-1792 قبل الميلاد) واضع أول تشريع في التاريخ، ونبوخذ نصر (604-562 قبل الميلاد) باني الحدائق المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع. وتبلغ مساحة المدينة الأثرية 99،2 كيلو متر مربع بينما تبلغ المساحة بين الجدران التي تحيط بالمدينة شرق وغرب نهر الفرات 56،9 كيلومتر مربع. وتعرض موقع بابل الأثري لعمليات نهب خلال الاجتياح عام 2003، كما تعرضت مقتنيات متاحف نبوخذ نصر وحمورابي والمكتبة وأرشيف بابل للسرقة والتدمير. وصنفت بابل موقعا أثريا عام 1935، وخضعت لعمليات تنقيب جزئية خلال القرن العشرين، لكن ما زال هناك كثير لاكتشافه في هذه المدينة القديمة التي تسعى إلى دخول لائحة المواقع الأثرية العالمية. ويقول رشيد بغضب إن «وجود الأنبوب يشكل ثلاث مخاطر رئيسية، هي تلوث البيئة وتهديد حياة السياح والناس جراء الانفجار المحتمل، بالإضافة إلى صعوبة أو استحالة إدراج مدينة بابل ضمن المواقع الأثرية العالمية». ويشدد على أن «زرع الأنبوب يمثل الرصاصة التي قتلت مساعينا لإدراج مدينة بابل ضمن المواقع الأثرية العالمية». وقدمت ثلاث طلبات بهذا الخصوص إبان نظام صدام حسين، رفضت جميعها بسبب سوء إدارة هذا الموقع، وفقا لمنظمة اليونسكو التي أكد مصدر فيها أنها «على علم» بأمر أنبوب النفط وأنها تحضر «لرد رسمي» على المسألة. وبدا واضحا في أحد المواقع، أنبوب وضع على عمق نحو مترين يمر على مقربة من تلال صغيرة عند أحد المزارع المتاخمة للمدينة الأثرية، التي تعرف ب»سور موقع بابل الأثري»، حيث إن أعمال الحفر طالت هذا السور الخارجي للمدينة وصولا إلى بوابة الإله مردوخ. وتؤكد مديرة دائرة آثار بابل مريم عمران أن «تنفيذ هذا المشروع يشكل تجاوزا صارخا على قانون حماية الآثار خصوصا أن العراق لا يعرف إلا من خلال تاريخه القديم ومعالمه الحضارية». بدوره، يرى محافظ بابل محمد علي المسعودي أن «الحكومة المحلية للمحافظة تدعم حماية المواقع الأثرية ولكنها لا تستطيع الوقوف ضد قرارات الحكومة المركزية». وفي بلاد تزخر بكنوز هائلة من الآثار التي تروي تاريخ حضارات سابقة، يشكل النفط 94 في المئة من العائدات، حيث يملك العراق ثالث احتياطي من النفط في العالم يقدر بحوالى 115 مليار برميل، بعد السعودية وإيران.