لا يمكن لمقال عابر أن يختزل ملحمة ماجدة لشعب أبي مناضل، بذل الغالي والنفيس في معركة غير متكافئة أملاً في إسقاط نظام هو واحد من أعتى أنظمة الحكم قمعية ودموية، فمهما تناسقت السطور وتناغمت الكلمات، وبذل الكتّاب جهدهم لتنميقها، فكل ذلك يبقى جهداً خجولاً لا يفي هذا الشعب المجاهد حقه، وقد لا يرقى أبداً لجهد المقل، سوريا: ياموطناً عبث الزمان به ... من ذا الذي أغرى بك الزمنا قد كان لي بك عن سواك غنى ... لاكان لي بسواك عنك غنى ما كنت إلا روضة أنفاً ... كرمت وطابت مغرساً وجنا عطفوا عليك فأوسعوك أذىً ... وهم يسمون الأذى مننا وحنوا عليك فجردوا قضباً ... مسنونةً وتقدموا بقنا أبيات خير الدين الزركلي تجسد حال سوريا في عهد المستعمر الفرنسي، ولو كان حياً اليوم لكانت أبياته أشد وقعاً وألماً، لأن من يحكم اليوم أكثر وحشية وأبعد عن كل معاني الإنسانية وأمعن في الدناءة والخداع من المستعمر الأجنبي! في كل يوم نشاهد عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي بقدر ما تصف أبلغ صور البشاعة واللاإنسانية التي يتصف بها زبانية الأسد، إلا أنها مؤشرات إيجابية لمضي شعب مقهور قدماً نحو الإباء والحرية، وكما تزيدنا تلك الصور والمقاطع شعوراً بالعجز، فإنها تزيدنا إيمانناً بأن السوريين ماضون في طريق الانتصار الذي تتجلى بشائره يوماً بعد يوم، هم ليسوا بحاجة أن نعيد هذه العبارات لنبرر عجزنا وتخاذلنا عنهم منذ أن رفعوا شعار “ما لنا غيرك يا الله”، لكنها محاولات بائسة لتسجيل موقف والتكفير عن الذنب: كم زلةٍ كُتِبت .. في غفلة نبتت ... كم حسرة جثمت .. في الصدر تسحقني؟! أيها الشاميون، صمودكم واستبسالكم لا يعطينا دروساً في النضال والشجاعة في أنصع صورها فحسب، بل تزيدنا شعوراً بالعجز والمهانة والتقصير، مهما شغلتم تفكيرنا واستوطنتم أفئدتنا، ربما أصبحت قضيتكم جزءاً من طعامنا وشرابنا وصلاتنا وأحلامنا وحديثنا اليومي، لكنها تبقى حيلة العاجز، فلا تعقدوا علينا الآمال، ارتضيتم بالله وحده ناصراً ومعيناً – ونعم الناصر والمعين – فلا ترتجوا منا شيئاً غير الدعاء، صدقونا، لا نملك أن نقدم لكم شيئاً غير الدعاء، فلا تنتظروا منا شيئاً آخر، نحن مجرد شهود عاجزون، أما أنتم، فلكم الله، ففي الحديث: “فإن الله توكل لي بالشام وأهله”.