( الدقة السادسة ) ( فتحت الباب برفق ، حاولت التسلل إلى داخل الغرفة المظلمة ، سرت على أطراف أصابعي كي لا أوقظهم ، أنات و تأوهات الجرحى من الأسرى تختلط ببعضها البعض ، ما الفارق بين ألمنا و ألمهم ، الآلام لا تفرق بين إنسان و آخر ، الآلام هي نفسها ، بوجعها و عذاباتها عند جميع البشر ، يتساوى فيه الغني و الفقير ، الأبيض و الأسود ، نظرت إليهم ، أحاول أن أستبين وجوههم على ضوء المصباح الشاحب ، حاولت حبس دموعي ، فجأة صرخ أحدهم صرخة مدوية ارتجت لها جنبات المكان ) آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه . ( أسرعت باتجاه الصرخة ، و إذا بأحد أسراهم المصابين بطلق ناري ، كانت الدماء تلطخ ملابسه ، بالكاد يحاول أن يلتقط أنفاسه ، جحظت عيناه ، حلق بناظريه في أركان المكان ، ، ناولته إناء الماء الموجود بجواره ، أخذ يشرب و يشرب حتى غرقت ملابسه ، عندما التقيت عيونه بعيوني ، تسللت من عينيه التوسلات ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيه ) أرجوك ، أريد شيئا يسكن آلامي . لا أستطيع . أرجوك ، لا أقدر على تحمل هذا الكم من الألم ، لا أستطيع فلقد حذروا علينا مداواتكم . أية إنسانية هذه التي تنتمون إليها أيها الحيوانات ، هل ستتركني هكذا أتألم ؟؟ ليس بيدي شيئا أقدمه لك . اقتلني إذن ، خلصني من هذه الآلام التي تسحقني كل لحظة . و لا هذه أيضا ، فلقد أمرونا بالإبقاء عليكم لاستجوابكم . ( انتفض جسمه الهزيل من شدة الألم ،صرخ صرخة عالية) آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه . ( تبعتها آهات بقية الأسرى هنا و هناك ، مررت بينهم بمصباحي الزيتي الشاحب أتفقدهم ، منهم من فقد ذراعه أو كسرت ساقه ، و آخر نالته بعض الطعنات أو أصابته طلقات نارية و لكنها لم تجهز عليه ، الجميع هنا يصارعون الألم ، جذبت إحداهن يدي تقبلها ، أحسست حرارة دموعها و دمائها على كفي ، حاولت القيام من نومتها ، جذبتي من رقبتي حتى قربت فمها من أذني ،همست بصوت واهن ) أرجوك ، أرحنا من آلامنا ، أرجوك . سيقتلونني لو علموا بمساعدتي لكم . لا نستطيع التحمل أكثر من ذلك ، ارحمنا بالله عليك . أنا متعاطف معكم ، و أرى أنه يجب معالجتكم ، أو على الأقل إعطائكم ما يخفف آلامكم ، و لكن ما بيدي حيلة ، فالطبيب المسئول عن الأدوية و توزيعها ، حرمها عليكم ، و لو خالفت رأيه سيقتلني لا محالة ، و لذلك لا أستطيع أن أفعل أي شيء لكم ، لا أستطيع ، لا أستطيع . ارحمنا ، ألا تعرف الرحمة ؟ ( ضربت بيدها الواهنة على صدري ) أليس في صدرك قلب ينبض ؟ ( صرخ الجميع صرخة واحدة ) وا إنسانيتااااااااااااااااااه . ( عندها وجدت (فيدل) فوق رأسي ، صرخ في وجهي ) ماذا هناك ، ماذا فعلت ؟ لم أفعل شيء يا سيدي ، و لكن هؤلاء الأوغاد يطلبون دواء يسكن آلامهم . و لماذا لا تعطهم أيها الحقير ؟ هل نزعت الرحمة من قلبك ؟ إنما هي أوامر ( تشي ) يا سيدي . فلتذهب أنت و (تشي) إلى الجحيم ، أي نوع من البشر أنتم ؟ أي إنسانية هذه التي تدعون ؟؟؟ إياك أن تمنعهم أي شيء من هذا ، هيا . و لكن يا سيدي ..... أمازالت هناك لكن أيها البائس ؟ ( أخرج مسدسه من جعبته ، صوبه باتجاهي ، عندها جريت من أمامه ، توجهت إلى الخزانة على اليسار ، أخرجت منها بعض الأدوية ، بدأت بتوزيع الأدوية على الجرحى ، فجأة دخل ( تشي ) و سيجاره الطويل في فمه ، و لما وجدني على هذه الحالة صرخ صرخة عالية ) ماذا تفعل أيها الحيواااااااان ؟؟؟ ألم أحذرك ... ( عندها نظرت إليه ، هممت بالكلام و لكن (فيدل) كان أسرع مني فقاطع كلامه ) هل خالفت أوامري و أمرته بعدم إعطاء الدواء للأسرى ؟ نعم ،فالأدوية لنا و لرجالنا المصابين و ليست لأعدائنا . هل نزعت الرحمة من قلبك ؟ هه ؟ ما الفرق بيننا و بينهم في الإحساس بالألم ؟ أي نوع من البشر أنت ؟ ( أمسك ( تشي ) بسيجاره بين أسنانه ، بينما أخذ في جمع الأدوية من بين أيادي الأسرى عنوة بكلتا يديه ، و أخذ يصرخ ) لم أحمل كل هذه الأدوية على عاتقي خلال هذه المسافات حتى تقيحت قدماي لأهبها لهؤلاء ، لم أحملها و أعبر بها كل هذه المستنقعات اللعينة بحشراتها و أفاعيها و تماسيحها و وحوشها لأعطيها بالنهاية لأعدائنا ، هل نسيت ؟ هؤلاء الذين أرادوا قتلنا منذ ساعات ، أي منطق هذا ؟ دواءنا نداوي به أنفسنا و من ينتهجون منهجنا فقط ، شرابنا و طعامنا لنا و لم يخدمنا فقط ، لمن تلتقي أفكاره و أفكارنا ، هؤلاء الذين لهم نفس مبادئنا و نفس اتجاهنا فقط لا غير ، لا غير ، فقط ، فقط ، فقط . ( عندها انتزع (فيدل) الأدوية من بين يدي (تشي ) و أخذ يوزعها بنفسه على الأسرى ) هؤلاء أهلي لا علاقة لك بهم ، هؤلاء كوبيون ، هل تفهم ؟ كوبيون مهما كان الخلاف بيننا و بينهم ، يبقوا أولا و أخيرا أبناء و شعب و أهل كوبا ، ( وقف في مواجهة (تشي) ، سحب السيجار من فمه ، قذف به تحت قدميه و فركه بحذائه ، وجه مسدسه لوجه (تشي) ، صرخ في وجهه ) حاول إذن أن تأخذ هذه الأدوية منهم مرة أخرى إن استطعت . ( عندها انسحب (تشي) خارجا و لم يعقب ، بينما أخذ الأسرى يهتفون ) فيدل ، فيدل ، فيدل .. ( يتبع )