العنوان ترجمة لعنوان رسالة الدكتور «جورج مايلي» (أستاذ علم الفلك في جامعة لايدن الهولندية) التي نشرتْها مجلة «ساينس» (2/ 3/ 2012) تعليقاً على مقالها الذي انتقد سياسة بعض الجامعات السعودية في «شراء» الانتماء الاسمي لبعض العلماء المتميّزين في العالم طمعاً في رفع تصنيفها في مواقع التصنيفات العالمية للجامعات. وهي الرسالة التي تجاهل الأخطبوط الإعلامي في جامعتي الملك سعود والملك عبد العزيز الإشارة إليها لأنها تكشف سياسة الجامعتين التي تتنافى مع المعايير العلمية والأخلاقية والمبدئية المنتظر من الجامعة الالتزام بها. وهنا ترجمة هذه الرسالة المهمة: «قرأت باهتمام كبير المقال المنشور في زاوية «أخبار تحت المجهر» بعنوان «الجامعات السعودية تُقدِّم أموالاً في مقابل المكانة الأكاديمية» (الذي كتبه باتاتشرجي، 9 ديسمبر 2011، ص 1344) عن الممارسات التي تستخدمها الجامعات السعودية لإعلاء ترتيبها الأكاديمي. وكما حصل مع زميلي عالم الفلك بوب كيرشنير(الذي أشار إليه باتاتشرجي في مقاله)، فقد وصلتني رسالة إلكترونية من حيث لا أدري في يونيو الماضي من شخص لا أعرفه يقدِّم لي عرضاً لأعمل أستاذاً متعاوناً في جامعة الملك عبد العزيز. ومرفق بتلك الرسالة نسخة من عقد لمدة عام، قابلة للتمديد لعام ثان. وعلى الرغم من غرابة الطريقة التي قَدِّم بها العرض فقد كنت متشجعاً لقبوله في البداية. ويُتوقع مني، كما تقول الرسالة، أن أزور جدة لأسبوع أو أسبوعين في السنة ل»أُؤسس مجموعة بحثية (يمكن أن يناقش أمرها في ما بعد) وأن أعمل ما يعادل عمل أربعة أشهر لصالح جامعة الملك عبدالعزيز، وأن أضيف جامعة الملك عبد العزيز مكانَ انتماءٍ ثانياً لي في صفحتي الإلكترونية في الموقع المخصص للعلماء الأكثر استشهاداً بهم». وكان المبلغ المقدَّم مقابل ذلك مغرياً مادياً إلى أبعد الحدود. إذ سيدفعون لي 6000 دولار شهرياً لمدة عام. كما سيوفرون لي تمويلاً بحثيا مبدئيا بمبلغ 80000 ألف دولار. ولمّا هاتفت الجامعة وطلبت تفاصيل أكثر (عن هذا العرض) اتضح لي أن السبب الرئيس وراء هذا العرض لم يكن الرغبة في إثراء مجالي البحثي في جامعة الملك عبد العزيز، بل كان الهدف الأساس هو وجودي في موقع أكثر العلماء استشهاداً بهم. وهذا الموقع قاعدة معلومات تضم أسماء المائتين والخمسين عالماً في 22 مجالاً بحثياً رئيساً في العلوم (وهم الذين يَستشهد بهم الباحثون في أبحاثهم أكثر من غيرهم). ولا يظهر فيه علماء فلك فائزون بجائزة نوبل، ومن المشكوك فيه أن يظهر ألبرت إينشتاين أبداً في هذه القائمة (لأنه لا يحقق معيار هذا الموقع). ومع ذلك فهذا الموقع مصدر مهم لتصنيف الجامعات المعروف بتصنيف جامعة شنغهاي جياو تونج، ويستشهد به دائماً في مجلتي إيكونومست ونيوزويك (الإخباريتين). وقراءة تصنيف شنغهاي مهمة للموظفين والوزراء والمتبرعين والطلاب المستهدف استقطابهم عبر العالم. وكان من الواضح لي أن برنامج جامعة الملك عبد العزيز الجديد للأساتذة المتعاونين مصمم لرفع تصنيف الجامعة بصورة زائفة عن طريق دفع مبالغ عالية للباحثين الذين تظهر أسماؤهم في الموقع لكي «يبيعوا» انتماءهم المؤسسي. إنني أعتقد بكل صدق أنه يمكن لعلم الفلك أن يكون وسيلة فريدة لبناء القدرة والتنمية العالميين. ومن هنا فلو كنت أظن أني أستطيع، بقبولي عرض جامعة الملك عبدالعزيز، المساعدة في تطوير علم الفلك في جدة أو في أي مكان في المملكة العربية السعودية لرحبت بتلك الفرصة. ونظراً لهذه الظروف شعرت بالتردُّد والاضطرار للاعتذار عن قبول العرض. وبعد ثلاثة أشهر، ومن خلال إطلالة سريعة على قسم علوم الفلك وعلوم الفضاء في صفحات الموقع المشار إليه، وجدت أن تسعة من علماء الفلك البارزين انتموا حديثاً إلى جامعة الملك عبد العزيز. ويَفوق هذا العددُ عددَ علماء الفلك الأكثر استشهاداً بهم في جامعة كيمبردج البريطانية بنسبة خمسين بالمائة ويتجاوز عددَهم في أية جامعة أوروبية. وأنا لا ألوم جامعة الملك عبد العزيز أو السلطات السعودية على تأسيس مثل هذا البرنامج. ذلك أن المشكلة تكمن في النظام الغبي لتصنيف الجامعات الذي يُفاقم سذاجةَ متخذي القرار الذين يأخذون تصنيف الجامعات بجدية زائدة عن اللزوم. وهذا الوضع هدَّام بشكل حاسم للمُثل الأكاديمية لأن معايير تصنيف الجامعات كثيراً ما تستخدم لاتخاذ القرار والتمويل في المقام الأول. ويمكن أن يُنظر إلى أوصاف تصنيف الجامعة في سياق أشمل كذلك فهو جزء من الضغط المتواصل لأن تَكون (أيها الإنسان) معرَّضا للمحاسبة، وأن تُنتج، وأن تكون «الأفضل في العالم». ويوضِّح (تصرفُ الجامعات السعودية) خطرَ استمرار مثل هذا التنافس والمقاربة الموجَّهة نحو تحقيق هدف معين في مجالات الحياة كلها. ويمكن أن يؤدِّي هذا التشويهُ إلى نتائج عكسية، ذلك أن آثار مثل هذه الفلسفة واضحة للعيان في مجالات تشابه في تنوعها التخفيضَ المقصود لقوائم الانتظار في المستشفيات، والتصنيفات المنشورة للجامعات، والضغط على المسؤولين عن حركة المرور لإصدار عدد معين من قسائم المخالفات لمواقف السيارات، ومكافأة موظفي البنوك الذين يبيعون أكبر عدد من الرهون العقارية غير المسؤولة (التي تسببت في الأزمة المالية العالمية الحالية). إننا نخادع أنفسنا بالإصرار على أنه يمكن أن نقيس كل شيء ونحدده إحصائيا، وبالإلزام بأن تكون المسؤولية الاقتصادية معياراً مهمّاً لتوجيه المجتمع. كيف يمكن لك أن تقيس الأثر الإيجابي للتمويل على طفل ناشئ مُلهَم يَدفعه الشغفُ بعظمة الكون؟». وتكفي رسالة هذا العالِم النزيه الذي لم يَضعُف أمام إغراء المال حفاظاً على كرامته، وكرامة العلم، ومصداقيته العلمية في الدلالة على خروج ممارسة الجامعتين هذه على القيم الأخلاقية والعلمية التي يجب أن تؤطّر الجامعة. ولا تزال الجامعتان مستمرتين في هذه الممارسة (انظر «الشرق»، 22/ 3/ 2012 عن عرض جامعة الملك عبد العزيز للتعاون مع بعض العلماء الاستراليين). ومن الأدلة على إمعان الأخطبوط الإعلامي في جامعة الملك سعود في تضليل الرأي العام مقال الدكتور علي بن شويل القرني (الجزيرة، 8/ 5/ 1433) دفاعاً عن الجامعة، كما يَتوهم. وهو، إضافة إلى تضليله، مثال لقصور القراءة والتحليل والحِجاج واللغة (وربما كان ذلك مقصوداً حتى لا يفهم أحد شيئاً!).