«باسم الأساطير التي يبست على غار الغباء وباسم من ربوا النقائص هيبة تمتص أفئدة النساء وتكتفي أو تختفي في الليل في ثوب اعتذارات ضريرة إن داهم الجوع الدماء» باسمها كلها أعلنك ملكة وإن راودوك بدور زوجة شيخ العشيرة. أنت حفيدة بلقيس، وبذرة من جنة سبأ مخبوءة تحت ضلعك الملكي فاسقيها زلال أفكار تليق بسموك. سرقوا منك الدور وأبقوا لك الاسم، قالوا كوني ملكة ثم «غلقوا الأبواب» كيلا تغادري بيتك إلا بإذن، جعلوك قاصراً حتى تبلغي من الكبر عتياً، فإذا صرت من قواعد النساء قعد عنك العزم! لا بأس أيتها الملكة، المُلك يستتبع الحكمة وسعة الحيلة، وعندك من مفاتح الحكي ما تنوء به العصبة أولي القوة، وبالحكي ربت جدتك الأخرى شهرزاد العنيف شهريار حتى عدلت صورة المرأة في ذهنه خلال ألف ليلة فتوقف عن نحر العذارى بذنب واحدة. أدرك أن الحكي أيضاً اختطفوه، وبه قلبوا صورة جدتك بلقيس من امرأة تملك «وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم» إلى كائن هش ضعيف. وبالحكي حولوها من حكيمة ديموقراطية أساس حكمها الشورى تعلنها في مجلسها لرجال «أولي قوة وأولي بأس شديد» فتقول بثقة «أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون». تحترمهم فيجددون ولاءهم لبلدهم واستعدادهم لحماية أراضيه «انظري ماذا تأمرين».تضن بهم عن الحرب فيفهم من يريدك زوجة شيخ العشيرة أن سلوكها مبعثه الرهبة. جدتك بلقيس رأت ببعيد نظرها ما تجره الحرب من خراب فقالت «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها». تشاور قومها، وتناور بهدية تختبر بها خصمها لتقف على مستوى قوته، وحين يفطن لغايتها ويأتي بها عنده تسمع منه وتسلم «معه» ولاحظي يا حفيدتها بلاغة القرآن في «معه». جدتك لم تسلم لسليمان بل معه، مستقلة بقوتها/ بذاتها عن ملكه عليه السلام. بالحكي جعلوها زوجة وأشغلوك بتفسير «كشفت عن ساقيها» لتقنعي بدور زوجة شيخ العشيرة التي ليس لها من الأمر إلا ما يسمح به عشيرها إن رضي عنها. أذكرك بها وأريدك لتأخذي مكانك بقوة أن تسألي نفسك: ما أعظم فعل بشري مذ قال تعالى «إني جاعل في الأرض خليفة»؟ أليس الولادة؟ أنت سيدة الخصب والنماء، من رحمك تتناسل الأجيال، وما هو بالفعل الهين، ولعل أحسن توصيف لحالتك النفسية فيه أنين ابنة عمران حين أجاءها المخاض «يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً». لم تتمن الموت خشية حساب مجتمع سيقول لها «لقد جئت شيئاً فرياً» كما يريدون أن تفهمي بل من وجع يبدو معه ألّا خلاص إلا بالموت. فمن أقوى ممن تذوق أنفاس الموت، وتعود لتحمل كرهاً ثم تضع بشراً سوياً؟ يشغلون نوافذ تواصلك وتفكيرك بعادتك الشهرية ليغرسوا في رأسك ما انغرس في أذهانهم عن نجاستك، وليختزلوا تفردك عنهم في الدورة الشهرية. لماذا الدورة لا الولادة؟ لأن الأولى دلالة خلو للرحم، بينما الولادة إنتاج/ إنجاز، والإنجاز قوة، وهدفهم أن تكوني ضعيفة. حتى لا تكوني ملكة حقاً، والملك هنا لا أعني به الولاية العامة وما قرّب إليها من كراسي، بل الولاية الجذر (ولاية نفسك) هذه التي لو طالبت بها فسيقولون لك: «أنت بالمقام امرأة إذا رفعت متونك وناهضت دساتير الرفض المسطورة بالخوف والعرف والعادات العتيقة أصبحت امرأة بلا فضيلة» قولي لهم «الفضيلة ابنة الحكمة والقانون»، والحكمة ورثتها عن جداتي بلقيس وشهرزاد وامرأة فرعون وعائشة وخديجة وأم سلمة وسكينة بنت الحسين، أما القانون فعندكم وعليكم وأنتم من يخشى تقييدها، مع أن الرذيلة التي تخشونها مني وعلي لا تتم إلا بشراكة. • الأبيات المضمنة لخديجة العمري وزينب غاصب.