عرف المسلمون نماذج مختلفة للدولة المدنية والحكم في صدر الدولة الإسلامية، وما تلا ذلك، حتى الإمبرطورية العثمانية حكمت مدنيا، وكان المحتسبون يجمعون الضرائب دون تفريق بين الأديان والمذاهب لمواطني الدولة العثمانية. أما الدولة الدينية، في الغرب قبل عصر النهضة فكانت في أوروبا في العصور الوسطى، وتحكمت في حياة الناس حتى بعد عصر النهضة، ومثالها عندنا دولة إيران الدينية، وحين تحرت العقول وجد الغرب الحل المدني الذي عرفه المسلمون قبل ذلك بقرون وهو قبول الآخر، والتسامح، وسيادة النظام على الجميع من كل الملل والمذاهب، وانتهى التناحر والحروب وسفك الدماء لأن التقاتل حلقة شر متواصلة لا تقف حتى تطحن الجميع. بعد الثورة الخمينية 1979 تشجع الطموحون لدولة دينية إسلاميةعلى غرار دولة الخميني، وبدأوا يسبون العلمانية، ويعتبرونها كفرا مع أن العلمانية، أو الدولة المدنية لا تعني كفرا أو إسلاما لأنها نظام حكم يحكم المسلم والكافر، ويتيح فرصة للتعايش بين المذاهب والأديان ضمن الدولة، وهذا لا يرضي من يحلمون بسلطة مطلقة على الناس باسم الدين. اليوم إذا خطب أحدهم على المنبر في مصلين مسلمين، وزين لهم طرفا أو آيديلوجيا وأغراهم، فهو في الحقيقة يتكلم عن إسلام سياسي، ودولة دينية، ولأننا مسلمون يوجه الدين كل سلوكنا الاجتماعي نميل لكل دعوة إسلامية، حتى لو كانت ملغومة مسيسة، وليس هذا الموضوع لنقاش ذلك بقدر ما هو لنقاش أن أداتين لا تدينان أو تكفران لأنهما من نظم العمل المحايدة، هما السياسة والإدارة، وقد قام صراع في الغرب على وجود الدولة التي لا تحكمها الكنيسة قبل 700سنة وفصلوا الأمر بحكم الدولة المدنية الذي لا يدير أمر الناس فيها رجال دين بل الدين لمعاملات المتدينين بينما الإدارة والسياسة أمور دنيوية، ولا تصلح للدين ولا يصلح لها. عندما يسمعك رجال الدين السياسي تدعو لتنقية الإدارة من أي آيديلوجي، يصرخون أنت علماني لأنك تنادي بمنع سلطتهم أو حكمهم باسم الدين، ويسبونك بأسوأ الكلمات لأنك تريد قطع الطريق على متدين ليكون رئيس دولة، ويحكم باجتهاده الفقهي مع أنك تنادي بحكم للجميع و بإدارة عموم الناس من دون آيديلوجي يفرقهم وتدعو للدين في معاملات المجتمع لا حكمهم.