سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بين العلمانية والفاشية من حق كل إنسان أن يرفض العلمانية وأن يرفض كل ما لا يوافق هواه، لكن ليس من حق أحد أن يمنح الأشياء صفات ليست لها ويسلبها ما هو منها
الاعتقاد بأن العلمانية تتلخص في فصل الدولة عن الدين ، هو واحدة من أكثر الضلالات التي انتشرت بين المسلمين منذ زمن طويل . والخطأ هنا يكمن في ناحيتين ، الأول : هو حصر العلمانية في الجانب السياسي وتجاهل منهجها الفكري المعروف بالمنهج العلمي . والثاني : هو الاعتقاد بأن العلمانية السياسية تقف موقفاً مضاداً من الدين ، لأنها قدمت نموذجها السياسي ( الدولة المدنية ) باعتباره بديلاً للدين . هذه ليست مجرد مفاهيم خاطئة ، بل هي ضلالات لا تعتمد على معطى موضوعي واحد . فالدولة العلمانية ( المدنية ) هي الضامنة لحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، إضافة إلى حماية دور العبادة أيا كان الدين أو المعتقد الذي تتبع له . على العكس تماما من الدولة الإلحادية ، كالدولة الشيوعية مثلاً ، التي تعمد إلى التضييق على معتنقي الأديان والأفكار والتوجهات المخالفة . الدولة الإلحادية هي دولة فاشية ، والدولة الفاشية تقدم الأيديولوجيا التي تعتنقها باعتبارها حقاً مطلقاً لا يجوز مناقشته . إنها تقدم ديناً أرضياً يحظى بنفس ما يحظى به الدين من قداسة ، وتستمد شرعيتها من أفكار مثالية إطلاقية ، كفكرة ديكتاتورية البروليتاريا لدى الشيوعيين ، وفكرة التفوق العرقي عند النازيين وباقي الحركات العنصرية الأخرى . ما لا يفهمه الكثيرون هو أن الدولة الدينية هي الأخرى دولة فاشية . ذلك أن الدين لا يمكن تلخيصه في رؤية أو تيار أو مذهب بعينه .. وهذا يعني أن الدولة الدينية تقوم على قراءة محدودة وإقصائية للدين ، لدرجة أنها تقوم باضطهاد من يدعون لقيام دولة دينية بناء على قراءة مختلفة عن قراءتها . وللتدليل على ذلك عليك عزيزي القارئ بمراجعة تاريخ دولة طالبان في أفغانستان ، ومشروع ما يسمى بالدولة الإسلامية ( داعش ) التي تطبق رؤيتها عملياً على جزء من مساحة كل من سوريا والعراق . إن قراءة الدين ليست هي الدين نفسه ، فإسلام ابن رشد يختلف عن إسلام أبي حامد الغزالي ، وإسلام الخوارج يختلف عن الجميع ، وإسلام السلفيين يختلف عن إسلام الأشاعرة والمتصوفة والمعتزلة ، وإسلام السلفية الجهادية يختلف عن إسلام السلفية التقليدية ، والدولة الإسلامية في عهد بني أمية وبني العباس تختلف عن الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين .. فهل يجوز أن ننظر إلى قراءة واحدة من هذه القراءات ، باعتبارها صواباً مطلقاً ، ونسقط شرعية كل القراءات الأخرى ؟! إن الدولة العلمانية ( المدنية ) لا تطرح أفكارها باعتبارها من المقدسات ، لأنها في الأصل لا تتعاطى مع ما هو مقدس أو مدنس .. إنها تستمد شرعيتها من الناس مباشرة ، ولذلك فهي تنظر إلى الشعب بوصفه المصدر الوحيد للسلطات ، وتتعامل مع المواطن كفرد يحظى بكامل الحقوق ويُسأل عن أداء جميع الواجبات ، أيا كان دينه أو مذهبه أو معتقده . من حق كل إنسان أن يرفض العلمانية وأن يرفض كل ما لا يوافق هواه ، لكن ليس من حق أحد أن يمنح الأشياء صفات ليست لها ويسلبها ما هو منها . [email protected]