يروى عن أنطونيو بورشيا الشاعر الأرجنتيني أنه طلب استرجاع نصوصه من مجلة أدبية رغبت في إجراء تصحيحات نحوية عليها قبل النشر، لأنه أراد نشرها كما أُرسلت بكامل لياقة أخطائها. قد يكون بورشيا يخطئ عامدا لمصلحة فكرته، لكن تشارلز بوكوفسكي -الشاعر والروائي الأمريكي- يعترف بعيوبه عندما ذكر في روايته «نساء» ضعفه في الإملاء وعدم إجادته قواعد اللغة. وكان قلم طه حسين الحاد نقدا الجاد تمحيصا قد شنّع على توفيق الحكيم الوقوع في أخطاء لغوية في قصته «أهل الكهف»، وهاجم «إيليا أبو ماضي» بعد صدور ديوان «الجداول» قائلا «إن الشاعر لا يحسن علم الألفاظ والأوزان، وهو يريد مع ذلك أن يقول الشعر». لم يضر النقد الحكيم و«أبو ماضي» فاستمرا في الإبداع حتى حفرا اسميهما في قائمة نجوم الأدب العربي. أسترجع سير هؤلاء كلما سمعت مترددا أو مترددة منعهما عائق إتقان اللغة ونحوها وصرفها من الكتابة. وعلى الأغلب يكون هذا العائق وهميا، لأن ما درسه وتعلمه المرء كاف لإيصال أفكاره، وإن كان هناك قصور فإنه لن يزول إلا بمداومة الكتابة مع التعلم والتصحيح المستمرين. اللغة ليست غاية الإبداع، إنما هي وسيلة للوصول إلى هذه الغاية. وهذه ليست دعوة لإهمال اللغة بل لعدم تهويلها وتقعيرها وتعقيدها، مما يجعلها سدا بدل أن تكون جسرا بين الإنسان والتعبير.