أصبحنا نتعجّب ممن يتسم بالإيجابية في أكثر تعاملاته مع الآخرين الذين يعرفهم، ولا نتجاوز تلك الإيجابية الظاهرة دون تفكّر أو محاولة تفسير لغرض ذلك الإيجابي من تلك الإيجابية أو ذلك الادعاء بها، أما الذين تجاوزت الإيجابية لديهم دائرة المعارف إلى غير المعارف فهم في عداد الندرة من المجتمع لا يكادون أن يكونوا إلا من أهل الكرامات أو القدرات الخارقة، أما الذين تجاوزت الإيجابية بهم حدود مجتمعهم إلى غيرهم من الأعراق والأديان والأجناس والألوان، فلم نرَ منهم أحداً إلا في قصص الأنبياء، وقد يظن البعض أن التآلف من الممارسات الإنسانية البسيطة، غير أن بعض الظن إثم، فالتآلف بات في أضيق دوائره وأحرج زواياه، وأصبح يقابل التآلف ممارسات إنسانية أخرى مزيّفة كالمجاملة أو الرياء أو الادعاء والتزييف لجلب منفعة أو دفع ضرر، وهذه الممارسات وإن بدت مزيّفة فهي بالطبع خير من إظهار عكسها، لكنها ليست هي الحب الذي يشار إليه في اشتراطات الإيمان وليست هي الألفة التي يشار إليها في صفات المؤمنين، إن التزييف الحاصل في صور العلاقات والروابط الإنسانية بين مكوّنات المجتمع الواحد لن يؤدي إلى البنيان المرصوص كرمزية للقوة والمتانة والتلاحم، بل إلى بنيان يوشك أن يسقط ما لم يتساقط، جاء في الحديث «المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس»، ولا أجد نفع الناس في أبهى وأنقى صوره إلا ممن يألف ويُؤلَف فعلاً، وإلا فذلك النفع الناتج ليس إلا من الادعاء والرياء أو محض صدفة، هذا وإن الإنسان في الأصل مألوف لولا المؤثرات التي أُدخلت إليه وعليه حتى بلغ مبلغاً ينادي فيه إلى الكراهية ويؤمن بها ضمن مكوناته المعرفية والمجتمعية والدينية، لذلك أقول وبتصرّف: استق الحب لا يشغلك من ** أي ينبوع جرى يا مستقي.