تشير الأرقام الواردة من مؤسسات المملكة، والتوقعات الصادرة من المؤسسات الدولية، بشأن الاقتصاد السعودي، إلى حقيقة ثابتة، وهي أن المملكة نجحت في بناء اقتصاد وطني قوي ومزدهر، ولكن بمواصفات عالمية، ملامحه تتجلى في قدرته على تغيير مساره من اقتصاد ريعي، يعتمد على دخل النفط، إلى اقتصاد يعتمد على تنوع مصادر الدخل. ومن يتابع مسار الاقتصاد السعودي في السنوات الأخيرة، يدرك أن رؤية 2030 حققت كل وعودها، ونجحت في تحويل بوصلة الاقتصاد من خانة الانكماش، إلى خانة النمو في العام 2023، وبلغت ذروة هذا النمو في العام الماضي (2024)، وتخبئ عملية التحول خلفها، قصة نجاح متكاملة الأركان، كان وراءها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد مسيرة الاقتصاد إلى الأمام بكل حكمة واقتدار. ففي وقت مبكر من العمل برؤية 2030، وعدت المملكة بتقليل الاعتماد على دخل النفط إلى حده الأدنى، وكان الجميع يتساءل -آنذاك- كيف للمملكة التي ظلت تعتمد على دخل النفط عقوداً طويلة، في إعداد ميزانياتها العامة، أن تتخلى عن هذا الدخل، وتستحدث قطاعات أخرى بديلة، وعلى الفور، حققت الرؤية وعودها، ونهضت بأدوات القطاع غير النفطي، بوتيرة تتصاعد عاماً بعد آخر، كان لها تأثير واضح على مسيرة الاقتصاد الوطني، الذي حقق خلال العام 2024 نموًا بنسبة 1.3 %، وكل هذه الأرقام تشير إلى نمو أكبر متوقع في العام الجاري (2025). ويمكن التأكيد على أن نمو الاقتصاد في العام الماضي، جاء بنتيجة أفضل من توقعات وزارة المالية البالغة 0.8 %، لكنه أقل قليلاً من توقعات صندوق النقد الدولي عند 1.5 %، وما كان للاقتصاد الوطني أن يحقق تطلعاته تلك، لولا الجهود المبذولة للنهوض بالاقتصاد غير النفطي، الذي حقق نموًا بنسبة 4.3 % في العام الماضي (2024)، بدعم من قطاعات التجارة، والمطاعم والفنادق، إلى جانب الأنشطة المالية والعقارية. نمو القطاع غير النفطي الذي حققه في الربع الرابع، هو ال16 من نوعه على التوالي، وهو ما يعكس إصرار المملكة وقادتها، على النهوض بالقطاع غير النفطي، لدعم التنوع في مصادر الدخل، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الهادف إلى تقليص الاعتماد على النفط. وما يلفت الأنظار إلى مسيرة الاقتصاد الوطني، أن إجمالي السيولة فيه شهد نموًا ملحوظًا، مدفوعًا بارتفاع صافي القروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة للحكومة والقطاع الخاص، وكان طبيعياً أن يكون لهذا النمو تأثير ملحوظ على الميزانية العامة للدولة، التي حققت إيرادات بقيمة 302.9 مليار ريال في الربع الرابع من العام 2024، كما نمت الإيرادات غير النفطية بالربع الرابع بنسبة 21 %على أساس سنوي، لتصل 132 مليار ريال، مقابل 109 مليار ريال في 2023، ليصل إجمالي الإيرادات في العام 2024، إلى 1.26 تريليون ريال بارتفاع 4 % عن عام 2023، ونفقات عند 1.375 تريليون بزيادة 6 ٪ على أساس سنوي.