لأول مرة في تاريخها تعترف وكالة الطاقة الدولية، أنها قد ارتكبت خطأً كبيراً خلال السنوات الماضية، إن لم يكن منذ إنشائها في عام 1974، بحق منتجي النفط وبالتحديد منظمة أوبك بنشر التوقعات الزائفة عن ذروة الطلب وعدم الاستثمار في صناعة النفط والغاز، وبنغمة سياسية بعيدة كل البعد عن أساسيات سوق الطاقة العالمي وأمن امداداتها. وذلك باعتراف رئيسها فاتح بيرول في مؤتمر CERAWeek لمستقبل الطاقة في 10 مارس 2025، بأن العالم يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات في حقول النفط والغاز الحالية لدعم أمن الطاقة العالمي. وهو تناقض صريح مع تصريحات الوكالة السابقة بعدم الاستثمار في انتاج المزيد من النفط والغاز والتحول إلى الطاقة المتجددة من أجل تحقيق الحياد الصفري بحلول 2050. إنه التلون السياسي للوكالة، انسجامًا وتناغمًا مع سياسة الرئيس ترمب المؤيدة للحفر والحفر، والذي يسعى إلى الهيمنة الأميركية على قطاع الطاقة من خلال زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي، الذي وصل إلى مستوى قياسي، وإبقاء الأسعار عند مستويات منخفضة لصالح المستهلكين الأميركيين. وقد سبق أن قالت الوكالة ومازالت أنه لا حاجة للاستثمارات في حقول النفط والغاز الجديدة طويلة الأجل بعد عام 2023 من أجل الوصول إلى الانبعاثات الصفري المستهدف. وذلك اتساقاً مع سياسة الرئيس بايدن، الذي أعاد انضمام الولاياتالمتحدة الأميركية إلى اتفاقية باريس للمناخ في 20 يناير 2021. علمًا أن الوكالة تركز على كل ما يراه أعضاؤها في خدمة مصالحهم المستقبلية، حيث تُقدم الولاياتالمتحدة حوالي ربع تمويل الوكالة. وقد وجه نيل أتكينسون، الرئيس السابق لصناعة النفط والأسواق في الوكالة، انتقادًا لاذعًا للوكالة في تقرير 29 يناير هذا العام، بأنها تركز على التحول العالمي في مجال الطاقة، وتغض النظر عن خطر نقص إمدادات النفط والغاز، وتنشر تقارير مظللة و"خاطئة بشكل خطير" بسبب تحيزها الواضح لصالح التحول، وفقًا لرويترز. وقد نشر تقريراً بالشراكة مع مارك ب. ميلز، رئيس مركز أبحاث تحليلات الطاقة الوطني، دعا فيه الوكالة إلى التركيز على مهامها الاساسية، بمراقبة تطورات سوق النفط وتوقعات الصناعة. وفي هذا الشأن أيضًا اشتدت المواجهه بين رئيس ارامكو أمين الناصر ورئيس الوكالة في ختامية مؤتمر CERAWeek، عندما قال الناصر "لذا، لا أُولي اهتمامًا يُذكر للتوقعات التي تُشير إلى أن العام المقبل سيشهد ذروة هذا أو ذاك" ويقصد بذلك ادعاءات الوكالة بقرب ذروة الطلب على النفط خلال هذا العقد. ليكرر بيرول ما تعودنا على سماعه من الوكالة منذ سنوات دفاعًا عن رؤيتها، أن ذروة الطلب على النفط لا تعني بالضرورة انخفاضًا سريعًا وشيكًا في استهلاك الوقود الأحفوري بل إنها تمتد الى سنوات عديدة. كما وجهت أوبك انتقادات شديدة للوكالة خلال المؤتمر، على إنها تنشر توقعات خطيرة وبشكل متكرر من شأنها اللحاق الضرر بالمستهلكين وامدادات الطاقة. وقد سبق وأوضح الأمين العام ل"أوبك" في 25 مارس 2024، إن قطاعات التنقيب واستخراج النفط، والتكرير والتصنيع، والنقل والتسويق تحتاج إلى استثمار 11.1، 1.7، 1.2 تريليون دولارًا بحلول عام 2045 على التوالي. وفي كل الأحوال، سيفرض الواقع نفسه، أما المزيد من الاستثمار في قطاع النفط والمحافظة على توازن أسواق النفط العالمية ودعم التحول المتدرج إلى الطاقة المتجددة وسلامة البيئة، أو أن تكون الأسعار العامل الأكثر حسماً في تحفيز الاستثمار في الطاقة، فعندما ترتفع سيتبعها الاستثمار، لتبقى تقلبات الأسعار المعيار السائد في أسواق النفط العالمية.