إن من أخلاق المؤمنين محبة بعضهم لبعض، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وان من أخلاق المؤمنين موالاة بعضهم لبعض موالاة تقتضي النصيحة والاخلاص لها، وتقتضي محبة المؤمن، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ومن أخلاق المؤمنين تألم البعض بألم البعض، فهم كالجسد الواحد، يتألم الكل بتألم البعض، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، متى ما اختلت لبنة من لبن البناء أدى الى انهيار البناء وضعفه. ومن أخلاق المؤمن أن المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، ان رأى خيراً شجعه على الخير، ورغبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وان رأى خللاً، ان رأي خطأ، ان ابصر نقصاً، ان نظر الى مخالفة للشرع، فانه يسعى في تسديد أخيه المسلم، وفي نصيحته وفي انقاذه من الخطأ، وفي دعوته للصواب، (والعصر إن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). اذاً فبذل النصيحة يدل على ايمان الشخص وحبه للخير. ومقتضى المحبة الايمانية والاخوة الاسلامية ان تبذل النصيحة لأخيك، فمثلاً عندما ترى مخالفة ويقع نظرك على خطأ فتبذل النصيحة لأخيك المسلم انقاذاً له من عذاب الله، واخذاً بيده لما فيه صلاح دينه ودنياه، ولكن هذه النصيحة تحتاج الى ضوابط لتكون نصيحة مؤثرة، نصيحة نافعة، نصيحة تؤدي الغرض منها. فاخلاصك في نصيحتك، فالحامل على النصيحة اخلاص لله، ثم لأخيك المسلم، ليست نصيحتك، رياءً وسمعة، ولا افتخاراً بها، ولا تعالياً بها، ولا استطالة على الخلق، ولا ان يكون لك رفعة ومكانة، ولكنها نابعة من قلب صادق محب للخير، ساع له، والمخلصون في نصيحتهم هم الذين يضعون النصيحة موضعها، لا يتحدثون بها، ولا يفتخرون بها، ولكنها سر وامانة بينهم وبين من ينصحون له، لأن هدفهم وغايتهم صلاح أخيهم المسلم، واستقامة حاله، وحماية عرضه، وليس هدفهم الاستطالة والترفع على الناس. ولابد أن يكون هذا الناصح عالماً بما ينصح، فكم من متصور للخطأ انه صواب فيدعو الى غير هدى، وينصح بلاعلم، فربما افسد اكثر مما يريد ان يصلح، اذاً فالعلم بحقيقة ما تنصح له، بأن تعلم الخطأ على حقيقته، وتعلم كيف تخلص اخاك المسلم من تلك الهلكة، ولابد ان تكون بعيداً عن التشهير والتعيير والشماتة بالمخالف، فإن المعير للناس الشامت بهم الفرح بعوراتهم المتطلع الى عيوبهم الحريص على أن يرى العيب والخطأ فهذا ليس بناصح ولكنه مسيء وضار، وهذا النوع من الناس لا يوفقون للخير، لأنهم لم يقصدوا الخير اصلاً، وانما اتخذوا الدين والخير وسيلة للنيل ممن يريدون النيل منه، ولهذا ترى هذا الشامت وهذا الفرح بالعيوب والنقائص ينصح علانية، ويظهر الامر امام الملأ لكي يحط من قدر من يظن انه ينصحه، ولكي يطلع الناس على عيوب خفيت عن الآخرين، فيكون بذلك مسيئاً لا مصيباً، ومفسداً لا مصلحاً، وفاضحاً لا ساتراً، ولهذا يروى: في الأثر: (لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك). اذاً فالنصيحة لجماعة المسلمين وافرادهم، النصيحة للجميع، فنصحك عام لجميع المسلمين افراداً وجماعة على قدر استطاعتك وقدر نفوذك، وكل يؤدي ما يستطيع اداءه.