انطلقت بدايات هذا المهرجان الثقافي السعودي الكبير عام 1985م، ومنذ ذلك التاريخ والشعب السعودي يشهد هذه الفعاليات المهمة في تاريخه وحياته، فهو لقاء عالمي للتراث والثقافة يشارك في فعالياته مجموعات من النخب الفكرية والثقافية من داخل الوطن وخارجه، ويقام المهرجان في المكان المسمى به (الجنادرية) وهي روضة من رياض نجد كانت تسمى روضة سويس، وهي على مسافة 45 كم شمالا من مركز مدينة الرياض، وتقوم عليها القرية التراثية على مساحة 6 كم تقريباً. لقد حظي مهرجان الجنادرية برعاية ملكية سامية منذ تأسيسه في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – ثم تبعه الملك عبدالله بن عبدالعزيز برعاية هذا المهرجان الكبير، واليوم يكمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هذه الرعاية السامية، ويرعى جلالته حفل الافتتاح لهذا الكرنفال الذي يصور حياة أجدادنا وآبائنا الذين صنعوا مجد هذه البلاد المباركة وكيف لهذا الجيل والأجيال القادمة أن تحافظ على هذا الإرث الثمين. تمثل الجنادرية المهرجان الثقافي للمملكة العربية السعودية الذي يمثل جوهر المخزون الشعبي والثقافي للبلاد، وفي كل عام يفاجئنا هذا المهرجان العظيم بتقديم رسالته الخالدة بشيء من الحداثة والمواكبة العصرية دون الإخلال بجوهر ولب التراث السعودي، فهو يسهم في تعميق أواصر العلاقة بين الماضي والحاضر، بالإضافة إلى تقديمه مجموعة متكاملة ومتميزة من الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تدل على نمو المشهد الثقافي والحضاري بين أبناء المملكة العربية السعودية. مهرجان الجنادرية يعد أنموذجاً ثقافياً حضارياً لا يعتز به السعوديون وحدهم بل هو إشعاع لحضارة العرب والمسلمين، يؤدي رسالته المناطة به كل عام بكل احترافية ومهنية إلى شعوب العالم، بحيث إنه يمثل أصولنا التاريخية والتراثية العريقة، ويسهم في تأصيل التقاليد والعادات الموروثة، وكذلك الأشغال والحرف اليدوية. في كل عام، تتواكب أنشطة المهرجان مع الأوضاع التي تسود داخل المملكة، وفي هذا العام تستشرف رؤية مستقبل البلاد 2030 على برامج الجنادرية الثقافية بحيث يتناول المفكرون والمختصون هذه الرؤيا المستقبلية بشيء من الإثراء والتناول في الطرح، بالإضافة إلى بقية المواضيع المهمة كموضوع السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط ومهددات النظام الإقليمي العربي والأيديولوجيا في المشهد السياسي والفكري للعالم العربي، وموضوع السعودية ومصر تاريخ العلاقات الراسخة والمسؤولية القومية والإقليمية، وموضوع الإعلام السعودي في ضوء الثورة الرقمية، وموضوع الرواية العربية المعاصرة والأيديولوجيا: شهادات ونقد. لقد استطاع مهرجان الجنادرية في نسخه السابقة أن يستقطب آلافاً من الزوار والمهتمين بالتراث والأصالة، وظل المهرجان إشعاعاً للزائرين بتعريفهم بتراث المملكة ذات المساحة الشاسعة والمترامية بين أقاصي جزيرة العرب، ما بين تقاليدها المتنوعة وعاداتها المختلفة ورقصاتها الشعبية المتعددة والألبسة ذات الأشكال المتباينة بين المناطق، واختلاف الألسنة واللهجات، التي أضحت جميعها عوامل قوة للحمة الوطنية المتكاتفة. كما يبرز المهرجان الرسالة الثقافية والحضارية الكبرى التي تقدمها وزارة الحرس الوطني في خدمة المجتمع السعودي ممثلة بالأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، الذي يبذل قصارى جهده مع الفريق المختص الذي يضم كوكبة من الخبراء والمختصين في كافة المجالات التي يتناولها المهرجان في تقديم الجنادرية في الصورة الحضارية المثلى التي تشرف الموقع السامي الذي تحتله المملكة العربية السعودية بين دول العالم. كما يقدم المهرجان نشاط سباق الهجن باعتباره أهم عناصر مهرجان الجنادرية؛ لما يعبر عن تراث سعودي عريق؛ حيث يشارك في السباق ملاك الإبل في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، هذا إلى جانب سباق الفروسية والشعر الشعبي والسوق الشعبي، بالإضافة إلى الفنون والألعاب الشعبية، وكذلك العروض التراثية والمسرحية. أما مهرجان هذا العام، فهو يحمل كثيراً من الفعاليات المتنوعة والمتعددة في البرنامج الثقافي من المحاضرات الدينية والندوات الأدبية والأمسيات الشعرية والأنشطة الثقافية والفعاليات الإبداعية، وكل هذا سيسهم في إبراز الوجه الحضاري الحقيقي للمملكة، ومدى التقدم الذي تشهده المملكة في مختلف المجالات عبر ما سيعرض في أجنحة ومقار مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص.