مهما تحدثنا عن الانتصارات الساحقة لمعالي الوزير عادل الجبير في معاركه الإعلامية مع أساطين التزييف والحملات الممنهجة ضد المملكة حكومة وشعباً، فلن نفيه ربع ما يستحقه من الثناء والتبجيل، فهو يكاد يتحول إلى آلة إعلامية متكاملة، تُعري كل المغالطات والافتراءات التي يحاول الإعلام الغربي إلصاقها زوراً وبهتاناً بالإسلام والمسلمين. لقد قدم لنا معالي الوزير دروساً مجانية في كيفية توظيف الحقائق والوقائع للرد على الأسئلة المفخخة، دون أن يتخلى عن هدوئه المعتاد رغم المحاولات المستميتة لاستفزازه بتوجيه اتهامات باطلة وادعاءات مغرضة لا تستند إلى معلومات موثقة، ومع ذلك يتعامل معها بكل مهنية وهو يجيب عنها بكمٍ هائلٍ من الحقائق والأدلة الدامغة حتى يفحم السائل ويجعله يتمنى بأنه لم يسأل سؤاله الاستفزازي. صحيح أنه من السهل أن يجيب المرء عن الأكاذيب والمغالطات الشائعة في الإعلام الغربي عن المملكة العربية السعودية لكن ليس من السهل أن تكون الإجابة بهذا القدر من المنطقية والإقناع، بحيث يجد السائل نفسه مرغماً على التزام الصمت بعد سماعه إجابة مدعمة بالأدلة والبراهين تجعله غير قادر على التعقيب عليها، بفضل قدرة الوزير الهائلة على ربط الأحداث التاريخية بصورة موجزة تفي بالغرض من ذكرها. وهي مسألة ليست بتلك البساطة التي يتصورها أنصار الأصوات المرتفعة في المحافل والمؤتمرات الدولية على اعتبار أن صوت الحق دائماً هو الأعلى في كل شيء! وفي هذا تجسيد حقيقي لهشاشة المنطق الذي يغلب على حواراتنا ونقاشاتنا بغض النظر عن أهمية «القضية» محل النقاش، رغم أن الحجة القوية لا تحتاج إلى أكثر من إجلاء الحقائق كما هي، لا إلى رفع الصوت بهدف إسكات الخصم وتشتيته ذهنياً كي يوهم المستمعين والمشاهدين بصحة ما يقول! عندما يجيب الوزير على أسئلة الصحفيين تلحظ في إجاباته ثقة متناهية ودقة في المعلومات، فهو يجيب عن الأسئلة بلغة الأرقام والإحصاءات الموثقة، ولا يلجأ أبداً إلى اللغة الانفعالية التي غالباً ما تعطي انطباعاً عن عجز المرء وقلة حيلته إزاء التهم الموجهة إليه. وحين يربط الوزير بين ما تقوم به داعش من جرائم وحشية وبين ما قامت به على سبيل المثال جماعة كي كي كي المسيحية من قتل وسفك للدماء باسم الرب، إنما يريد بذلك قطع الطريق على كل متقول بأن داعش تمثل الإسلام والمسلمين. فهو بذلك يكفي نفسه عناء الاستغراق في الحديث عن سماحة الدين الإسلامي وبأنه براء مما تفعله الجماعة الإرهابية داعش وغيرها من الحقائق التي لا يكترث لها الغربيون كثيراً حين يتحول الحديث عن الجماعات والحركات الإسلامية المتطرفة باعتبارها نتاجاً لتفسيرات وتأويلات مستمدة من التراث الإسلامي، وهو ما ينطبق تماماً على كل أتباع الديانات الأخرى، حيث لا تخلو من تفسيرات خاطئة وتأويلات مجانبة للصواب من أجل تحقيق غايات سياسية ومكاسب دنيوية. قد يقول قائل إن الوزير لم يأت بجديد فكل ما قاله وسيقوله في مؤتمراته ولقاءاته الصحفية شائع ومتفق عليه، وقد قاله من قبله كثير من السياسيين والمثقفين العرب. وهذا من حيث المبدأ صحيح بيد أن الفرق الكبير يكمن في المكان الذي تُثار فيه مثل تلك الأسئلة المستفزة حيث تستضيفه أعرق المؤسسات البحثية في العالم بحضور نخبة من الإعلاميين والمثقفين لثقتها بأن الضيف قادر على تجسير الهوة التي يحاول متطرفو اليمين واليسار في أوروبا وأمريكا تعميقها بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، ناهيك عن قدرة الوزير على الرد بأسلوب متزن مدعم بالشواهد والأرقام التي لا يمكن إنكارها. إن الهدف من كتابة هذا المقال ليس فقط بهدف الثناء على الجهود العظيمة لمعالي الوزير في تصديه لكثير من الحملات المغرضة التي يشنها الإعلام الغربي على المملكة في عقر دارهم ومن خلال أبرز المراكز البحثية في بلادهم، وإنما للتأكيد على مدى حاجتنا لوزراء قادرين على التعامل مع وسائل الإعلام بما يخدم تطلعاتنا وأهدافنا المشروعة، فمهما كانت قضيتك عادلة قد لا تنجح في إقناع الآخرين بأنك لست كما يروج أعداؤك عنك، ومهما بذلت من الجهد والمال الشيء الكثير في سبيل تحسين صورتك أمامهم قد لا تنجح إذا لم توكل هذه المهمة إلى الأشخاص الأكثر كفاءةً وتأهيلاً، فذلك سيجنبك كثيراً من الاستنزاف المادي والمعنوي والذي ربما سيعود عليك بعواقب وخيمة في المستقبل القريب.