سطام عبدالعزيز المقرن - الوطن السعودية البعض أصبحوا لا يرون في منامهم شيئاً حتى يسرعوا إلى مفسر الأحلام لكي يطلعهم على ما يخبئ الغيب لهم، فقد يطلق أحدهم زوجته، أو يتقاعس عن سفر مهم، أو يلغي اتفاقاً، وذلك حسب ما يقول له المفسر دافع بعض مفسري الرؤى في برنامج "الثامنة" مع داود الشريان الذي ناقش موضوع (تفسير الأحلام)، بخصوص الانتقادات التي وجهت إليهم قائلين: "التفسير هو فراسة وليس دراسة.. وتفسير الأحلام لا يقاس بالقياس، ولكنه يجيب عن أمور غيبية وهي منحة من الله سبحانه وتعالى"، ثم استشهدوا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام "تبقى المبشرات" والمبشرات هي الرؤية. الظاهر أن المفسرين يعتبرون الأحلام كلها من المبشرات، وصاروا يجدون في كل حلم إشارة إلى ما يضمر الغد للناس من مكنون الغيب، مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صنف الأحلام إلى ثلاثة أقسام، وهي (رؤيا من الله ، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا ما يحدث المرء به نفسه فيراه في المنام)، والواضح أن المفسرون لم يعبؤوا بهذا التصنيف، ودرجوا على تفسير الصالح والطالح من الأحلام غير مدركين للمفاسد التي تجرّها هذه النوعية من التفاسير. فنراهم دوما يؤولون ويفسرون الأحلام حتى وإن كانت من الشيطان أو كانت أحلاماً سيئة، وهم بذلك يخالفون القول المأثور عن النبي بخصوص الرؤية: "...إذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره". إذا كان المفسرون يعتبرون الرؤيا الصالحة من المبشرات فما بالهم إذن يفسرون الرؤى السيئة التي هي من الشيطان؟ مثل حدوث الموت أو حدوث مكروه لصديق أو موت قريب وغيرها من المصائب؟ وكيف يفسرون الحديث الشريف الذي يعلمنا بأن نتعوذ من شر الحلم، بل ونتكتم عليه أيضاً؟ أليس معنى التكتم هو عدم اشتغال الإنسان بهذه الأحلام وعدم التأثر بها حتى لا تتأثر حياته بالأوهام وتصبح جحيماً، وكذلك خشية أن يقع فريسة لاستغلال البعض، من خلال معرفتهم لمكنونات النفس وأسرارها الشخصية؟، وقد حدث ذلك بالفعل، فكم من قضية ابتزاز وتحرش جنسي والقصص المحزنة التي تحكي هذا الاستغلال من بعض مفسري الأحلام. في الحقيقة أعتبر أن مهنة تفسير الأحلام، هي نوع من الكهانة والعرافة والتنجيم التي حذرنا منها الإسلام، وليس هذا فحسب، بل هي مهنة تمنح صاحبها مكانة اجتماعية مرموقة ومكسباً وفيراً من المال، فهي تعطي صاحبها نوعا من القداسة والشرعية.. ولم لا؟.. فهم يقولون: "إن الأنبياء جاءوا مبشرين ومنذرين للناس، وبما أن النبوة انتهت بوفاة النبي، وكان هو الصلة بين السماء والأرض، وهذه الصلة لن تنقطع بعد وفاته، وستكون من خلال المبشرات ذات المصدر الإلهي"، وبقولهم هذا أحاطوا أنفسهم بالقداسة، والويل والثبور لمن يشكك فيها!. هم مدركون تماماً، أن المبشرات تتعلق بالحالم نفسه، وليس لها علاقة بالتفسير أو التأويل، وإذا كانت المبشرات من الرؤى الصالحة، فليس هناك حاجة إلى تفسيرها من شخص آخر، فسيعلمها المرء بنفسه بل ويستطيع تحديد معناها، ولكن المفسرون تعلقوا بالمبشرات حتى يسبغوا على مهنتهم الصبغة الدينية فيصدقهم الناس. للأسف الشديد، وصل الحال ببعض الناس أنهم أصبحوا لا يرون في منامهم شيئاً حتى يسرعوا إلى مفسر الأحلام لكي يطلعهم على ما يخبئ الغيب لهم، فقد يطلق أحدهم زوجته، أو يتقاعس عن سفر مهم، أو يلغي اتفاقاً، وذلك حسب ما يقول له المفسر!. وبطبيعة الحال، فإن للمفسرين طرقا متنوعة في التفسير تشبه تماماً طرق المنجمين والعرّافين، من خلال ربطهم للرموز بحركة النجوم والكواكب، فكذلك مفسر الأحلام فهو يقوم بتحويل رموز الحلم أو الرؤيا إلى أمور ذات أهمية ومكانة، وهي في الغالب تكون عالقة في مخيلة وذهن ووجدان المجتمع، فقد يرى الإنسان في الحلم عقرباً أو ثعباناً، فتفسر هذه الرموز بأن هناك من يضمر الشر والحسد له، أو على سبيل المثال أن يرى الإنسان في المنام سقوط أحد أسنانه، فهذا يعنى موت قريب أو أحد الأصدقاء، والقصص في هذا المجال كثيرة، ولكن الشاهد في هذا الموضوع أن الأحلام تستند على مألوفات الناس وعاداتهم وتقاليدهم الموروثة ومن شأنها أن تأتي بما يلائم تلك المألوفات والعادات، وهنا يستغل المفسر هذه المألوفات وهذه العادات حسب طبيعة كل شخص ومكانته ووضعه النفسي والاجتماعي، وبحسب عمر الشخص وبحسب المكان والزمان، وتفسير الحلم للمرأة غير تفسيره للرجل بطبيعة الحال، وعلى هذا الأساس يتنبأ المفسر بالغيب، وقد يقع ما تنبأ به لأسباب عديدة منها الإيحاء للشخص أو وجود مؤشرات ومعطيات تدل على قرب وقوع الحدث ويمكن التنبؤ به بسهولة. لذا فإن مفسر الأحلام يفهم هذه الأمور فهماً تاماً، ويكون قادراً على معرفة ما ترمز إليه الأحلام في المستقبل، فليس فيها إذن من الحقيقية الموضوعية نصيب، وليس فيها أيضاً ما يدعيه المفسرون من وجود ملكات وموهبة يستطيعون من خلالها معرفة علم الغيب. لست أقصد من كلامي هذا، أن جميع الرؤى والأحلام وتفسيرها هي من نفس الطراز الذي تحدثت عنه آنفاً، فالرؤية الصالحة موجودة، والمبشرات موجودة، ومعظمنا قد مر بتجربة الرؤى وشاهدها تتحقق أمامه على أرض الواقع، وما قصدته هنا بالتحديد أن الأحلام أثرت بشكل كبير على حياة البعض فأسبغ عليها صبغة قدسية، وأصبح فريسة سهلة لبائعي الأوهام، وكان لذلك أثر اجتماعي بالغ السوء. يعاني المجتمع من ضغوطات نفسية كثيرة، والكثير من الناس لا يجد لها تفسيراً أو علاجاً قد يخفف من آلامهم، وخاصةً في ظل ضعف الوعي بالأمراض النفسية، و قصور الخدمات الصحية في هذا المجال، لذا فليس من المستغرب أن يلجأ الناس إلى السحر والشعوذة وتفسير الأحلام، لعل وعسى أن يجدوا فيها العلاج لأمراضهم وعللهم، والسؤال المطروح هنا: كيف نعالج مشاكلنا الاجتماعية وأمراضنا النفسية في عصرنا الحالي؟ أترك الإجابة للمختصين في علم الاجتماع والطب النفسي.