لا أبالغ إن قلت إن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات – إن لم يكن أولها – قابلية وجاهزية للتغييرات والتحديثات، والشواهد التاريخية تعزز هذا الترشح للإنجاز الذي لم تطرقه حملات الاستطلاع بعد. أول الشواهد تحوّل جزء كبير منه من ترحال البادية إلى استقرار القرى والهجر خلال فترة توحيد المملكة، وتحوّلهم من حياة السلب والغارات إلى احترام القانون والسلطة، ومن الانقسامات القبلية والمناطقية إلى الوحدة تحت لواء سيادة ودولة واحدة. حدث هذا في سنوات تُعد في عرف التاريخ قليلة. ومن بعد الاستقرار، مرّت البلاد بتغيّرات فكرية وثقافية واقتصادية كان المجتمع سريع التفاعل معها، فعندما أمطرته الطفرة طفر، ولما غازلته الحداثة تحدّث، ولما داهمته الصحوة تصحون. والمجتمع هو الأسرع في تقبّل القرارات، فتجد تجاذبات حول حرمة اعتبار السبت إجازة وشبهة التشبّه بالكفار في ذلك، ولما تحوّلت الإجازة إلى الجمعة والسبت، أصبح وكأنه لم يشهد قط إجازة الأسبوع في يومين غيرها، وقلّ من يتذكر الجدالات السابقة حولها. وكذلك في حرمة «الدش» الذي كان يُصادر فلما فُسح اقتناه المحرِّم قبل المحلل، وجوالات الكاميرا، وتقليص البدلات وخلافها من قرارات، تقبّلها المجتمع بصدر رحب، وتأقلم معها. الهدف في سرد ذلك إيقاف ظلم المجتمع بمقولة «المجتمع غير جاهز»، وإلغاؤها من تصاريح المسؤولين، ومن يحاول استخدامها عليه تجريب تطبيق ما يريد، وسيجد أن المجتمع سبقه في جاهزية التقبل والتكيّف.