من يراقب التطورات الأخيرة لمواقع الإعلام الاجتماعي، يلحظ منافسة حميمة بين مواقع فيسبوك وتويتر وجوجل بلس في توفير الخدمات الإعلانية وغير المباشرة للشركات والعلامات التجارية، وذلك ضمن سباق حاد على الدخل المادي الذي يأتي من رغبة الشركات في الحضور القوي على الشبكات الاجتماعية. تويتر من جهتها تحدثت الأسبوع الماضي عن تطويرها للصفحات الخاصة بالشركات، والتي تحمل تصميم الشركة، وتسمح بعدد من الخصائص غير المسبوقة والتي تسمح بوجود تطبيقات ومحتوى متكامل ضمن صفحات تويتر، مما يعني إلغاء لسياستها السابقة التي تقتصر فقط على الرسائل القصيرة، وهي بذلك تريد تحقيق هدفها الإعلاني هذا العام وهو 259,9 مليون دولار في نمو يصل إلى 86% عن العام الماضي حيث حققت 139,5 مليون دولار. فيسبوك من جهة أخرى يحاول إضافة تطبيقات جديدة متعددة بسرعة يصعب اللحاق بها، وذلك طبعا تحت ضغط زيادة الأرباح التي صار مطالبا بها للحفاظ على استقراره في السوق المالية التي دخلها مؤخرا، وجوجل بلس لا تقل شراسة عن البقية في إيجاد الخصائص التي تساعد الشركات على تسويق منتجاتها وعلاماتها التجارية على الشبكات الاجتماعية، بل قد تتفوق جوجل بلس على الجميع في ذلك. لكن لو لاحظت هذه الإضافات ومنها التايم لاين الذي تم إطلاقه مؤخرا وفيه ميزات غير عادية للشركات والمعلنين، وكذلك الإضافة الأخيرة لفيسبوك (حيث أوجدت خدمة الاشتراك في قوائم الهوايات / الرغبات Interest Lists) والتي تضم المشاهير والشركات والصفحات العامة التي تدخل ضمن تخصص معين، لو لاحظت فستجدها كلها إضافات تهدف لتجاوز الشكل العادي للإعلان الذي تتفوق فيه مواقع الإنترنت الكلاسيكية إلى إيجاد اندماج للشركة مع الشبكة الاجتماعية، يحولها بطريقة ما إلى كائن اجتماعي! بكلمات أخرى، أنفقت الشركات في مختلف أنحاء العالم مئات ملايين الدولارات خلال العام الماضي لتكون حاضرة على الشبكات الاجتماعية، لأنها تريد أن تتفاعل مع الجمهور، وتريد أن تخلق حوارا معهم، ولأنها تدرك التأثير الواسع لذلك مقارنة بالإعلان الكلاسيكي، ولأنها تريد الاستفادة من الشبكات الاجتماعية في جمع المعلومات عن جمهورها والتجاوب مع أسئلتهم وتطوير بنيتها وخدماتها. كل هذا تم بمساعدة الشركات المتخصصة في «التسويق الاجتماعي»، والآن مواقع الشبكات الاجتماعية تريد إيجاد الآلية التي تسحب فيها البساط من هذه الشركات لصالحها، بحيث تقدم خدمة متكاملة للمعلنين بعيدا عن الحاجة لوسيط يستأثر بجزء من الأرباح. هذا التقدم السريع في «الإعلان والحضور الاجتماعي» (Social Advertising & Experience) سيكون أيضا على حساب مواقع الإنترنت الكلاسيكية حيث سيجد المعلن على المواقع الاجتماعية خدمة أكبر وفعالية أقوى من خلال كل الخدمات المميزة التي تقدمها تلك المواقع. لكن هناك مشكلة في كل هذا، وهي أن الإعلان الاجتماعي هو أيضا إعلان يتدخل ضمن ممارساتنا الاجتماعية الإلكترونية، وهذا سيكون له دوره في تنفير الناس من الشبكات الاجتماعية لو زادت من درجة وجود الشركات والمعلنين ضمن المحتوى الذي نستهلكه على تويتر وفيسبوك وجوجل بلس كل يوم. لذلك، تحاول تلك المواقع المضي في هذه الخطوات ببعض الحذر ومحاولة صنع شيء من التوازن، وإن كانت بدأت تتخلى عن هذا الحذر تحت ضغط التحقيق السريع للأرباح. هناك أيضا احتمال كبير أن تتدخل جهات تشريعية في أوروبا وأمريكا وتمنع هذا التمدد غير المسبوق للإعلان التجاري. الشركات والعلامات التجارية ستستمر على كل حال في استخدام الشبكات الاجتماعية، لأن الكثير منها بدأ يتبنى ذلك كاستراتيجية. هناك فرق كبير اليوم بين شركة تعطيك منتجاتها وتعلن عنها فقط، وبين شركة تتحدث إليك وتستمع لشكواك، وقد يكون في تعليقاتها خفة دم وعلامة ابتسامة، وهي شركة أيضا تطور نفسها بناء على رغبات الجمهور. لم يعد من الممكن للجمهور أن يتخيل شركة لا يتفاعل معها، إلا إذا قررت أن تكون جامدة وتخسره لصالح المنافس الديناميكي الاجتماعي. في الأسبوع القادم سأتحدث عن مجموعة من التغيُّرات المتوقعة في «التسويق الاجتماعي» أي التسويق عبر الشبكات الاجتماعية، ولكنها كلها تصب ضمن اتجاه واحد، وهو تمدد الشركات عموما في الاستفادة من الشبكات الاجتماعية في الوصول للجمهور وكسب قلبه وجيبه. خلاصة القول: الشركات تريد بشكل ما «أنسنة» أنشطتها حتى تقترب من الجمهور، والشبكات الاجتماعية تريد تحقيق المال من ذلك، والجمهور هو في النهاية الحكم.