""المعلومات الشخصية"" هي العملة الأكثر تداولا على الإنترنت في عام 2020م. هذه هي النتيجة التي وصلت إليها دراسة أمريكية هذا العام، والمقصود بالعبارة أنه إذا كان المقابل المادي هو العملة Business Currency التي تستخدم للحصول على الخدمات وشراء الأشياء في عالم الإنترنت اليوم، فإنه في عام 2020 سيكون هناك تغير مهم، حيث تتحول المعلومات الشخصية إلى طريقة أساسية يتم على أساسها مقايضة الخدمات على الإنترنت بين الأفراد والشركات أو الشركات والشركات. من أين جاء هذا الحديث المفاجئ عن أهمية المعلومات الشخصية Personal Data؟ القصة بدأت في التسعينيات الميلادية حين أدرك المخططون الاستراتيجيون أن الإعلان على الإنترنت سيصبح قادرا على منافسة الإعلان التلفزيوني أو الصحافي إذا استطاع أن يصل للجمهور المحدد الذي يريده المعلن من حيث العمر والجنس ومستوى الدخل والمكان والميول والاهتمامات وغيرها، ولذلك شعرت شركات كبرى مثل ياهو وميكروسوفت بأن عليها أن تطلق خدمة البريد الإلكتروني التي بدت كأفضل طريقة لتحفيز جماهير الناس لمنح معلوماتهم الشخصية لهذه الشركات، ولكن ما حصل أن هذه الشركات فشلت في تحقيق ذلك، إلى أن جاءت ""جوجل"" التي وجدت الحل من خلال خلق خدمة الإعلان القائم على الروابط، الذي يستهدف المستخدم حسب الكلمات التي يبحث عنها، وأسهم ذلك في منح ""جوجل"" حصة هائلة من سوق الإعلان الإلكتروني (وهي حاليا رقم 1 في العالم من حيث الإعلان الرقمي). بعد ذلك جاءت ""فيسبوك"" بخيارات أكثر تفصيلا بسبب طبيعة مشاركة الجمهور في ""فيسبوك""، فصار المعلن يحدد إعلانه في ""فيسبوك"" بناء على المعلومات الشخصية وبناء على مفاتيح الكلمات التي يذكرها الشخص في صفحته وبناء أيضا على شبكات الأصدقاء، وهذا أسهم في نمو أرباح ""فيسبوك"" بشكل سريع، وجعلها أحد أقوى اللاعبين في مجال الإعلان على الإنترنت خلال فترة قصيرة جدا. هذا كله أعطى درسا مهما لصناعة الإعلام الرقمي الجديد بأنه صار من الممكن الاستفادة من المعلومات الشخصية في بناء القوة والدخل الإعلاني، وهو الأمر الذي سيترك بصماته على معظم المواقع العالمية في القريب العاجل. ولكن ما توقعه الاستراتيجيون حول هذه المسألة قد بدأ يحصل حاليا، وهو أن يكون الجمهور ""قلقا"" من استخدام معلوماته الشخصية بهذا الشكل، وأن يدخل في معركة من خلال الهيئات الحكومية وغير الربحية ضد هذه المواقع، وهذا ما بدأ فعلا، وهي معركة مهمة جدا ستحدد مستقبل مواقع الإنترنت ومصدر دخلها الأهم، كما ستحدد مستقبل ""خصوصية الجمهور"" على الإنترنت. بدأ تصاعد المعركة من خلال الضغط الذي بدأت هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية وضعه على موقع فيسبوك، حيث توقع مطلعون آخر الأسبوع الماضي أن تصل ""الهيئة"" التي تتهم ""فيسبوك"" بخداع الجمهور في استخدام معلوماتهم الشخصية إلى اتفاقية تلزم ""فيسبوك"" بأن تضع خيارات الخصوصية تحت إشراف هيئة الاتصالات لمدة 20 عاما مقبلة، وألا تستخدم المعلومات الخاصة للجمهور دون إذن، وغير ذلك. الأوروبيون بدأوا معركتهم، وهم عادة أكثر تركيزا على السرية والخصوصية، وقد أعلنت المفوضية الأوروبية عن مجموعة قوانين تلزم المواقع الأمريكية بمراعاة قوانين الخصوصية الأوروبية، بما في ذلك ""حق النسيان"" أي إعطاء الجمهور الحق في إلغاء كل المعلومات المؤرشفة لدى تلك المواقع إذا رغبوا في ذلك، وهم يركزون بشكل خاص على ""جوجل"" و""فيسبوك""، وخاصة أن ""جوجل"" من خلال شبكتها الاجتماعية ""جوجل بلس"" بدأت تتبع خطوات ""فيسبوك"" نفسها. نجاح الأوروبيين في فرض قيود حقيقية على المواقع الأمريكية سيفتح بابا كبيرا لكل الدول الأخرى، لأن العالم كله محتار كيف يتعامل مع مواقع الإنترنت من حيث فرض قوانين على مواقع تعيش رسميا في دول أخرى بينما تمارس نفوذا هائلا في الدول الأخرى، ولذلك فإنه يتوقع أن تبذل ""فيسبوك"" و""جوجل"" جهودا هائلة واستثمارات ضخمة لتكسب المعركة ضد الأوروبيين، وهناك تهديدات بتدخل أمريكي حكومي على أساس أن ذلك مخالف لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية. من ناحية أخرى، فإن نجاح المواقع في معركتها ضد الهيئات الأمريكية أو ضد الأوروبيين سيعني توسع المواقع الأخرى في مجال استخدام المعلومات الشخصية بشكل تجاري، ويأتي في المقدمة موقع تويتر الذي يدرس خيارات مشابهة ل ""فيسبوك""، و""ميكروسوفت"" التي تريد أن تطبق ذلك على عدد من منتجاتها، كما سيفتح بابا واسعا لتطبيق هذه الخيارات الإعلانية على أجهزة الموبايل الذكية (آيفون من أبل، وأندرويد من جوجل، وبلاك بيري، وأخيرا نوكيا التي ارتبطت أخيرا بوندوز). كتبت سابقا لماذا ينبغي أن يقلق الجمهور من استخدام معلوماتهم الشخصية، وقد أتحدث عن ذلك باستفاضة في المستقبل، وحتى ذلك الحين لنأمل أن يجد العالم حلا عاقلا لا يضعف تمدد الإعلام الرقمي، بينما يعطي للناس خصوصيتها التي تستحقها متى ما رغبت في ذلك.