قبل عامين، توقع كثير من المتخصصين أن تقبل الشركات والعلامات التجارية وحتى المؤسسات العامة على استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، جوجل بلس، المدونات، يوتيوب، إلخ) في التسويق وبناء مستوى عال من التفاعلية مع الجمهور من خلالها. في ذلك الوقت، كتبت سلسلة مقالات شرحت فيها مصدر هذا التوقع، والذي يبدأ من القوة الترويجية غير المسبوقة لوسائل الإعلام الاجتماعي، مرورا بالتغير الحقيقي لأساليب استهلاك الجمهور للمعلومة، وانتهاء بالاعتماد المتزايد لفئات الجمهور على الإعلام الرقمي. هذه التوقعات أثبتت صحتها، بل كانت أحيانا أقل مما حصل فعلا، حيث نشأ عدد كبير من المؤسسات المتخصصة في مجال التسويق عبر الإعلام الاجتماعي، وحصل ذلك أيضا في العالم العربي، كما بدأت الشركات والعلامات التجارية (Brands) بتخصيص جزء من ميزانياتها للتسويق عبر الإعلام الاجتماعي. النتيجة كما يمكن للمتابع أن يرى هو السباق المحموم على كسب أكبر عدد من المتابعين على تويتر أو الذين يعبرون عن “حبهم” (من خلال الضغط على Like) عبر فيسبوك، أو عدد المشاهدين للفيديوهات الإعلانية عبر يوتيوب، وكان للشركات في السعودية والإمارات وغيرهما نصيب جيد من هذا السباق، وكان التركيز في جذب الجماهير من خلال المسابقات والجوائز وربط الصفحات بالحملات الترويجية ومن خلال الإعلان، وأحيانا من خلال الاعتماد على مجموعات من الشباب تعمل لصالح هذه الشركات بشكل غير مباشر. في عام 2012 سيستمر هذا السباق بشكل أكبر، وأستطيع أن أجزم من خلال التواصل مع عدد من الوكالات الإعلانية بأن هناك تزايداً بحدود %100 في الميزانيات التسويقية المخصصة للإعلام الاجتماعي في السعودية والإمارات، وهذا يعني المزيد من التنافس بين وكالات التسويق الاجتماعي وبين شركات العلاقات العامة وشركات الإعلان ومؤسسات الخدمات الصحفية ومؤسسات الخدمات الرقمية، والتي دخلت جميعها المجال الجديد رغم أنها قد لا تملك الخبرة اللازمة والرؤية الواضحة، ولكنها في النهاية تريد أن تأخذ نصيبا من الكعكة وتستفيد من الإقبال الضخم للشركات على التسويق الاجتماعي.المؤسف أن هذا التنافس على الحصول على أكبر عدد من المتابعين يفقد معناه الحقيقي، وصار أحيانا يتحول لرغبة وحيدة وهو أن يكون لدى الشركة عدد أكبر من المتابعين مقارنة بالشركة المنافسة لها، بينما الجوهر الفعلي للتسويق الاجتماعي (والذي جعله شائعا بهذا الشكل في مختلف أنحاء العالم) هو القدرة الهائلة للتسويق عبر وسائل الإعلام الاجتماعي على خلق حوار مباشر وعفوي وذكي ومؤثر مع الجمهور، والقدرة على إحداث حالة من التفاعل تجعل الجمهور جزءا من الحكاية التي ترويها الشركة عن نفسها وعن منتجاتها، وجزءا من عملية التطوير للشركة وللعلامة التجارية بسبب الحصول على أصداء (Feedback) على مدار الساعة.لهذا كان الخبراء يقولون بأن التواصل عبر وسائل التسويق الاجتماعي يجب أن يحل محل “خدمة العملاء” التقليدية مع فارق مهم بأن الإجابات لا يمكن أن تكون تقليدية، ويجب أن تعبر عن اهتمام حقيقي بالجمهور وإلا فإن رد الفعل السلبي سيكون سيئا جدا. الخبراء يقولون بأن الإعلام الاجتماعي سيحل محل أبحاث السوق، لأن الشركات ستعرف ردود أفعال الجمهور أولا بأول، ولكن هذا يعني أيضا إيجاد آلية ديناميكية لإحداث تغييرات في الشركات بحيث يرى الجمهور جدية الشركة في التفاعل مع مقترحاتهم وحواراتهم. النقطة الأهم في رأيي أن الشركات يجب أن تفكر في “محتوى” الصفحات التي تؤسسها على فيسبوك، لأن المحتوى الترويجي البحت لا يجذب الجمهور، ووجود عدد كبير من الذين “يحبون” أو “يتابعون” لا يعني أنهم يزورون الصفحة أو يقرؤون أخبارها، مما يعني ضياعا من نوع آخر للاستثمار في التسويق الاجتماعي الإلكتروني. إن عام 2012 سيشهد بلا شك نقلة على مستوى العالم في مجال التسويق الاجتماعي، وهناك ما يؤكد تضاعف ميزانيات التسويق الاجتماعي لدى الوكالات الإعلانية العربية الكبرى، ولكن إذا كان اعتناقنا لثورة الإعلام الاجتماعي مجرد اعتناق شكلي لمجاراة الاتجاهات العالمية، أو حتى نكسب رضا “مدير الشركة”، فإن هذا بالتأكيد سيعني قصة فشل مؤسفة، وسيعني ضياع الاستثمارات والجهود في هذا المجال.في الأسبوع المقبل سأرصد أهم الاتجاهات الجديدة في التسويق الاجتماعي، مع تركيز على الأفكار المطروحة في كيفية قياس التأثير الفعال للتسويق الاجتماعي، والتي من شأنها أن تفرق بين الغث والسمين، وبين الجهود الظاهرية والجهود التسويقية العميقة. مجرد “الحب” على فيسبوك لا يكفي.