في المقال السابق كتبت عن المفكرين ودرجاتهم الاجتماعية بخيرها للناس وشرها عليهم في بعض صورها، وفي هذا الزاوية سأكتب عن الفكرة ونشأتها من منظور هو عليّ غريب، لكنني أجده أقرب للمنطق وفلسفة تراودني عن نفسها من فينة لأخرى، أن الفكرة لا تعود إلى الماضي إلا في شكل تحليل أو محاولة فهم لمقولة سائدة أو عادة دون أن تتأثر بأي من المكونات المؤثرات البشرية أي أنها متصلة مباشرة بمصدر المعلومة فعلاً أو قولاً، لكن الأصل في التفكر ما يرتبط بالمستقبل كأحد أهم عناصر تكوينه، ومن هنا أقول مرة أخرى إن المستقبل في الأصل – منذ خلق الله كل شيء – موجود ومعلوم عند عالم الغيب، لا يصنعه البشر، وإنما يتفاعلون معه ويهيئون لوجوده في سياق «عمارة الأرض»، وطالما آمنا بأن المستقبل موجود وما علينا سوى اكتشافه في الوجود لا إيجاده من العدم، فلا بد أن تكون جميع مكوناته موجودة أيضاً ومنها الفكرة، فلا بد أن تكون الفكرة مشاعة لكل البشر لا ملكية فيها، لكن البشر يختلفون في قدرتهم على تلقي الفكرة واستقبالها من الكون وإخراجها إلى الحياة؛ لذا من الطبيعي أن يكون هنالك توارد أفكار، وأن تكون الفكرة في الشرق قد مضت على آخر في الغرب، ومن استطاع أن يتلقاها لابد أن يكون مهيأ بعدة سمات كسعة التخيّل ومدى الاستشراف وقوة التركيز وتنوّع المعارف ومهارات التعامل معها، فما إن يقوم بإخراجها على شكل حديث أو صورة أو نظرية فقد باتت إلى التحقيق أقرب، وهنا تأتي فكرة أخرى لكيفية تنفيذها، وأخرى لإدارتها وتسويقها وهكذا، هنا أقول إن الفكرة موجودة، لكن الذي نفتقده أولئك الذين يستطيعون تلقيها، وكيفيات التلقي التي نحن بحاجة إلى تعلمها بدلا من العلوم المعطلة، وما يُلقّاها إلا الذين صبروا.