أكد عضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب المسجد الحرام والمستشار بالديوان الملكي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، أن من أهم الطرق في التصدي للفتن التسلح بالعلم الشرعي، حاثا طلبة العلم بالاجتهاد في التمكن من العلم وعدم التأليف لطالب العلم المبكر، ومحذرا في الوقت نفسه من التصدر المبكر حرصا على عدم الإضرار بنفسه من هذا التصرف. وشدد في الجزء الأول من حواره ل«عكاظ» على أن كل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، ومعرفة سلف الأمة والصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى، ومن ذلك توحيد مصدر التلقي في العقائد والعبادات والقضايا الكبرى في حياة المسلمين وكذلك لزوم المصدرين الكتاب والسنة.. فإلى التفاصيل: • يسأل الكثيرون عن مخارج الفتن وما يتصل بهذا الأمر من نقاط هامة، كيف يكون ذلك؟ •• هناك الكثير من النقاط المهمة للإجابة على هذا السؤال، وأول نقطة يجب التنويه عنها في هذا الصدد التسلح بالعلم الشرعي، وإن كان ذلك لا يطلب من كل شخص، وهذا فيه أيضا أمر ينبغي أن يفهم فيما يتعلق بالتسلح بالعلم الشرعي من طلبة العلم، فلا شك أن كل الناس الآن تعلم القراءة والكتابة وكل يستطيع أن يواصل مع وسائل المعرفة إن كانت مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة، كل يستطيع أن يحصل على المعلومة لكن هذا ليس بكاف، كم هو جميل لو أن كل إنسان فعلا رجع وتمسك بما هو فيه من اهتماماته وترك الباقي لأهله ولأهل كل فن فنه، أما طلبة العلم خصوصا المنتسبين عليهم أن يجتهدوا في التمكن من العلم، وألا يتعجلوا سواء الأحكام أو التأليف وأنا أنصح بعدم التأليف لطالب العلم المبكر، لا مانع من أن يكتب ويبقيه عنده ويراجعه إن شاء الله إذا كبر، لا مانع من أن يكتب ولكن لا أنصح من هم في العشرينيات أن يؤلفوا أو يتصدروا، لأن من تصدر وهو صغير فهو يضر نفسه ويضر من حوله ويجد في المستقبل أنه خسر شيئا كثيرا، لا يتصدر أبدا إلا بعدا كما يقول ابن عمر: تزودوا قبل أن تسودوا، بمعنى أنك تصل إلى مرحلة السيادة أي مرحلة القيادة، حينما تتقدم وتصبح من فوق الثلاثينيات، إنما يتعلم ويجتهد ويحصل ويترفق بنفسه ويتسلح بالعلم الشرعي ولهذا شيخ الإسلام – رحمه الله – يقول: إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدث البدع والفتور ووقع الشر بينهم. فلا بد من العلم والتسلح بسلاح العلم قال الله وقال الرسول، وشيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، ومعرفة سلف الأمة والصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى، فالتسلح بالعلم ولاسيما في المرتجعين للعلم الشرعي يجب عليهم الاهتمام بهذا الموضوع وأيضا يتصل بهذا أمران مهمان، الأول: توحيد مصدر التلقي في العقائد والعبادات والقضايا الكبرى في حياة المسلمين بمعنى أنك تحاول أن تلتزم بالكتاب والسنة ولكنك قد تكون صغيرا ولكن إنما ثني الركب بين يدي أهل العلم فالتوحيد مصدر التلقي وبعضهم يستدل بغضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى عمر بن الخطاب معه قطعة من التوراة، فقال في غضب: (أو في شك يا ابن الخطاب لقد أتيت بها بيضاء نقية والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي)، والثاني: لزوم المصدرين الكتاب والسنة. كذلك أيضا من أسباب الفتن البعد عن الابتداع في الدين لأنه من أسباب الفتن واضطراب الأمن الفكري. واقع الأمة • كيف تنظرون لواقع الأمة اليوم ونحن نعيش روحانية شهر رمضان المبارك؟ •• إن الحديث عن واقع الأمة مع استحضار الشهر وحكمة الله من تشريعه وما له من أثر على النفوس والمجتمعات يجعلنا أكثر تفاؤلا وانطلاقا في نهوض الأمة بقيمها ورجالاتها، ليتحقق بهذا النهوض عمارة الروح والواقع وتنميته الحضارية التي تقوم على قاعدة الإيمان الذي يستجلب به الأمن في الدنيا والآخرة ووحدة الصف والكلمة. ويتفق العقلاء على أن الاجتماع والائتلاف مطلب ضروري لا غنى عنه لأمة تريد الفلاح. وقد جاء الشرع بالتأكيد على هذا الأصل ورعايته، ولكن المواقف والأحداث قد تصرف بالناس، مما يدعو إلى التأكيد على هذه المعاني والوصية بها. وقد أفرزت الأحداث الأخيرة اختلافا في الآراء والمواقف، وهذا أمر لا بد أن يقع بين البشر، لكن هذا الاختلاف اتسعت شقته، وبدأ يتجاوز قدر الاختلاف في الرأي، وبدا معه أن الحاجة ماسة إلى الوصية والتأكيد على معاني الاجتماع والائتلاف. وقد جاء التأكيد في القرآن الكريم على مراعاة هذا الأصل، ومن ذلك: قوله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون). وقال عز وجل: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين). وروى ابن جرير عن الحسن في قوله تعالى: (ولذلك خلقهم) «وأما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرهم». توحيد الصف • كيف يمكن توحيد الصف وجمع الكلمة إذن؟ •• من أراد وحدة الصف وجمع الكلمة فليستوعب تعدد الآراء والاجتهادات فيما يسع فيه ذلك وليتجاوز ذلك إلى استيعاب الخلاف في الرأي، ولا يمكن أن يكون الناس نسخة واحدة. وبدلا من السعي لتذويب ما لا يمكن تذويبه من الفوارق ينبغي أن يتركز الأمر على استجلاء الثوابت، وضبط الاجتهادات وتسديد المسيرة. وإن مما يقلل الاختلاف والصراع أن يسود بين النخب جو الحوار الرشيد وبدون الممارسة الراشدة سيبقى الحديث عن آدابه وأخلاقياته حديثا نظريا. ومن تأمل واقع السلف رأى ذلك جليا، فكانوا يختلفون ويسود بينهم الحوار والمناظرة والجدال بالتي هي أحسن. رمضان والإعلام • يزداد الزخم الإعلامي في رمضان بكل وسائله المختلفة بحثا عن إلهاء الصائمين عن شهرهم بمواد فنية ومسابقات متنوعة، بم تعلقون على ذلك؟ •• ينبغي أن يكون هدف وسائل الأعلام الإعداد السليم، ومساندة البيت والأسرة والمدرسة والمجتمع، في تكوين شخصيات الأفراد وإعدادهم، وعدم خروجها على وسائل التربية المقصودة والمبرمجة؛ لأن ذلك يحقق الانسجام والتعاون بين وسائل الإعداد، أما إذا كانت وسائل الإعلام تنطلق من منطلقات الترفيه المجرد، والتسلية من أجل قتل الوقت وغير ذلك من الأغراض القصيرة الصغيرة وقد تكون ضارة وغير مفيدة، فإن كثيرا مما تتقبله بعض النفوس الضعيفة في مجال الترفيه والتسلية، يتناقض مع ما تقرره العقيدة السليمة والعقول الراشدة، وثقافة الأمة التي عادة ما يكون إعداد مناهجها في المدارس والجامعات والمعاهد تغذية الناشئة بها وطبع نفوسهم عليها. إن التناقض بين وسائل إعداد الناشئة في الأمة الواحدة، ينجم عنه اهتزاز في القيم وازدواجية في التفكير، وإذا كانت الوسيلة الإعلامية تطالع الجيل في كل يوم بجديد في المقالات الاجتماعية والتحاليل السياسية، والخبر والصورة وغيرها في صورة جذابة وإخراج متقن يشد القارئ، فإنه بقدر ما تكون هذه الأخبار صادقة، والمقالات هادفة، والتحاليل الإخبارية وتعرض من وجهة نظر صادقة وسليمة، يكون رافد المعرفة وثمر الخبرة في اتجاه سليم وأثره ظاهر النفع في الثراء المعرفي والانسجام الفكري والمتعة الماتعة. الأمة الواعية هي التي تساند وسائل الإعداد فيها، على إعداد أفرادها إعدادا يتلاءم مع تطلعاتها، ويدفع إلى السعي لبلوغ غاياتها. «والإعلام المرئي» يأتي في مقدمة وسائل الإعلام وأشدها خطرا وأبعدها أثرا في حياة الناشئة؛ إذ أنه يجمع بين جمال الصورة وحسن الصوت وإتقان الإخراج، في صور متغيرة وجذابة، ويتم إعداد برامجه وفق دراسة واعية للأوقات والمناسبات، وما يناسب كل فئة من فئات المجتمع من الوقت والمادة وطريقة العرض. لهذا فإن الأمة الواعية في إعداد ناشئتها هي التي تستعمل هذه الوسيلة أداة للتربية السليمة، والتوجيه السديد. فإذا انحرفت هذه الوسيلة في أية أمة كان ذلك مؤشرا على سوء الإعداد ونذير خطر على الناشئة، وبالتالي ذهاب الريح والاندثار. ولهذا يجب على الأمة أن تكون حارسة لعقيدة أبنائها، عاملة على تكثيف الجهود والوسائل، لإعداد أفرادها وعدم السماح لأي وسيلة بأن تنحرف عن المسار الصحيح، والمنهج القويم، في أي صورة من الصور سواء كان ذلك في صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون أو غيرها. • لكن هذه الفضائيات تلهي الصائمين عن عباداتهم؟ •• لا أتفق مع هذا التعميم، فوسائل الإعلام والقنوات خاصة فيها المفيد من برامج دينية واجتماعية وتربوية تستهدف الأسر والأطفال وشرائح المجتمع يحسن الإشارة بها وتشجعيها والاستكثار منها حتى تزاحم هذا الفضاء المليء بالغث غير المفيد. • يلاحظ في العهود المتأخرة أنه ما يأتي شهر رمضان إلا والمسلمون يعانون من نكبة أو جرح هنا أو هناك. فما هو واجبنا تجاه هذه الأحداث والأزمات لاسيما في رمضان؟ •• لا بد أن يدرك الجميع أن ما يحل بالإنسان في هذه الحياة الدنيا أنه من تقدير الله من خير أو شر، الله لا يقدر شرا محضا كما هو من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة وهذا الأصل العقدي يعزز حسن الظن بالله والتوازن في النظرة لكل ما يحل بالمسلم وغيره من أحداث وابتلاءات، كما يحقق قدرا من الاستقرار النفسي وإزالة الهزيمة النفسية التي تقضي على الأرواح قبل الأبدان؛ لذلك لا بد لكل متأمل فيما يباشره في واقعه من نوازل ومتغيرات وابتلاءات أن يرقب لطف الله وكمال تقديره وبالغ حكمته. فالأيام لاتزال تلد الجديد من خير وشر، ونفع وضر، ومحن ومنح يختبر بها العالمون (ليعلم الله من يخافه بالغيب)، (وليمحص الله الذين آمنوا). ومخافة الله بالغيب تعني الالتزام بطاعته طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه؛ وهذا لا يكون إلا بالإذعان لأحكامه الشرعية الدينية، والإيمان بأحكامه القدرية الكونية. إن هذا الالتزام دعت إليه الرسالات كلها تحقيقا للمعنى الشامل للتوحيد المتضمن إفراد الله تعالى بالطاعة تحقيقا لعبادته والإيمان المطلق بربوبيته وألوهيته وقضائه وقدره، وهذا هو المعنى الذي ذكر به يوسف عليه السلام: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فالدين القيم يتضمن إفراد الله تعالى بالحكم شرعا وقدرا، وقد صرح بهذا المعنى قبل يوسف أبوه يعقوب عليهما السلام فقال: (إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)، وهو المعنى نفسه الذي أمر الله تعالى خير الأنبياء وسيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم أن يعلنه في العالمين بأفصح لسان وأصرح بيان: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين). إن هاهنا معنى عظيما، وهو أن أيام الله هي تفسير لسنن الله؛ فتلك السنن ليست معاني مجردة أو افتراضات محضة، بل هي حكم وتطبيق، ودرس وشرح، وعظة وعبرة، ولكن ها هنا أيضا معنى أعظم، يحتاج إلى تأمل وتدبر وهو أن: (أيام الله) التي تفسر سنن الله ليست ماضية فقط، بل هي حاضرة أيضا ومستقبلة؛ فكما جرت بشأن السنن أيام ووقائع في الماضي الغائب عنا؛ فهي تجري في الحاضر المحيط بنا والمستقبل البعيد منا. • وكيف نستفيد من ذلك؟ •• إذا علمنا أن كل ما سبق يؤكد الفائدة العظمى والأهمية القصوى للنظر في تلك السنن واستحضار الحقائق المحتفة بها؛ لأنها حكم الله الذي لا يخالف ولا يستطيع الخروج عنه؛ فلئن كان بإمكان العصاة أن يخالفوا حكم الله الشرعي؛ فإن أحدا من الخلق لا يستطيع الخروج قيد أنملة عن حكمه القدري، وتجيء (أيام الله) بما فيها من محن أو منح لتثبت ذلك. وما أحوج الأمة في أزمنة الأحداث الجسام إلى أن تذكر بأيام الله، وأن تبصر بسنن الله الكونية القدرية مع إرشادها إلى سننه الدينية الشرعية، فالأحداث الكبرى قد تطيش فيها عقول، وتذهل فيها أفئدة، وقد تزل فيها أقدام أقوام، وتضل أفهام آخرين، ولا يثبت إلا من ثبته الله، (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء). المتسولون في رمضان • أصبح رمضان للبعض موسما يدر الأرباح باقتناص الفرص عبر امتهان التسول على موائد الرحمن أو في المساجد والطرقات وعند المنازل. فماذا تقول لهؤلاء خصوصا غير المستحقين منهم؟ •• إذا نظرنا في أحوال الفقراء وجدنا أن ما هم فيه من بؤس وقلة يعود إلى نوعين من العوامل: داخلية، وخارجية. فبعض الناس يكون فقيرا؛ بسبب عدم تعلمه وحصوله على ما يؤهله لسوق العمل، وبعضهم يكون فقيرا؛ بسبب كسله، أو عدم طموحه وهمته، أو مما يمنعه من رؤية الفرص التي أمامه، وبعضهم بسبب تغير الظروف عليه وعدم استطاعته الانسجام مع الظروف الجديدة؛ كما يحدث مع المشرد الذي فقد وطنه وصار لاجئا في بلاد أخرى، ومن الناس من يبذل جهده، ويعمل ما عليه، ويأخذ بما يعرفه من الأسباب، ثم يجد نفسه في صفوف الفقراء أو من قدر عليهم رزقهم، فلا يكاد يصل إلا إلى بعض حاجاته الضرورية. وفقر هذا الصنف من الناس يعود إلى أسباب خارجية، تعود في الغالب إلى البيئة التي يعيش فيها، وإذا ألقيت نظرة على واقع الفقراء فإنك ستجد أن فقر السواد الأعظم منهم يعود إلى عوامل ذاتية داخلية، على نحو ما أشير إليه، وفئة محدودة منهم تعاني بسبب صعوبة البيئة أو ضغوط الآخرين وعدوانهم. وهنا يجب استجلاء الموقف الإسلامي، والشريعة الإسلامية من التسول، إذ أن الإسلام كعادته كان سباقا في التعاطي مع هذه المشكلة، ووضع لها الحلول من أجل الوصول إلى أفضل المجتمعات، التي يتمتع فيها أغلب الأفراد بحياة كريمة وعزيزة، وهو ما جعله حريصا على أن يربي المسلمين على مكارم الأخلاق، ويغرس فيهم العزة والشمم، والترفع عن النقائص، والبعد عن المعايب. ومن ثم؛ فقد مدح الله عز وجل في كتابه الكريم من تعفف من الفقراء، فقال تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم)، والآية وإن وردت في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنها تتسع لتشمل من اتصف بهذا الوصف، فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما يقول الفقهاء. كما أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تنفر من سؤال الناس، وترغب في أن يكون المسلم عفيفا، ذا كسب طيب ينفق منه ويتصدق، كذلك يؤكد الإسلام أن الأصل في سؤال الناس هو الحرمة، ولا يستثني من هذا الأصل إلا من استثناه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، حيث بين من تحل له المسألة، فالمسلم لا تحل له المسألة إلا إذا وجدت الضرورة التي تلجئه إلى هذا السبيل. وفي مقابل ذلك، فقد حث الإسلام على العمل والكد، ضاربا بحال أنبياء الله ورسله المثل في ذلك، إذ كان الجميع بلا استثناء يأكل من عمل يديه، ولا يسأل الناس، بل إن الإسلام عد طلب الرزق المباح عبادة، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده). وكثير من السلف لا يرون جواز التصدق على من يسأل في المسجد. وقال بعض السلف: لو كنت قاضيا لم أقبل شهادة من يتصدق على من يسأل في المسجد والمتسولين فيه. ومما سبق يظهر التحذير من التسول وأضراره على الفرد والمجتمع، وأنه يؤدي إلى ضعف الهمم، ودفن النبوغ، والتسول يورث سفولا وانحطاطا، وانتزاع البركة من المال والرزاق والمكاسب.