مُفردة القرطسة في العنوان مُشتقّة من القراطيس وأعني بها الأوراق التي تُغلّف بها الأشياء. أذكر في زمانات مضت كنّا نشتري اللحم من الجزار فيقوم بقرطسته في أوراق بنيّة اللون أعتقد بأنها بقايا أكياس الأسمنت. ويوصف الاستعجال في طبخ القرارات بالقرطسة. يقول الشخص للآخر حين يعتقد بأنه يكذب عليه:"أرجوك لا تقرطسني". في حياتنا اليوم كثير من فعل القرطسة وبالتالي وجود مشاريع فاشلة أو هشّة تبرز عيوبها قبل افتتاحها. في البعد الاستراتيجي لا تنفع القرطسة أبداً إذ لابد من تأنٍ وحكمة وخطط مٌحكمة. خُذ على سبيل المثال قرار الملك الحكيم عبدالله بن عبدالعزيز حين أمر بعدم استخراج النفط من مكامنه التي بُشّر باستكشافها قائلاً" خلّوه في باطن الأرض من أجل الأجيال القادمة". أظن لو كان الأمر بيد أحد المسؤولين الجهابذة مُحترفي القرطسة لأمر بمزيد من الضخ والتسويق حسب نظرية "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"..! أما المستقبل وشؤونه والجيل الذي سيكابد مآزقه فهو لا يعنيه بل لم يُفكّر فيه أصلاً. مثلٌ آخر في قرطسة الرؤى الإستراتيجية مشروع الطاقة الشمسيّة (الحُلم) الذي دُفن بين (حُزوم) العيينة بالقرب من العاصمة الرياض منذ أكثر من 30 عاماً. لو تنامت العزيمة التي بدأت بها الفكرة/المشروع لأصبحت بلادنا اليوم رائدة في مجال توليد الطاقة الشمسيّة بل أكبر مصدّر لها في العالم. من منكم يعرف مآلات الفكرة وماذا استفاد الوطن منها وكم صُرف عليها دون فائدة ملموسة؟؟ ألم أقل إنها قرطسة الرؤى الإستراتيجية ثم أداء صلاة الجنازة عليها ودفنها إلى أن يُقيّض الله من يُعيد الروح فيها وقد حان وقت نبش قبر الطاقة الشمسيّة وإخراجها من جدث النسيان. يُصنّف أهل التاريخ حياة البشر إلى عُصور فهناك الحجري والبرونزي، الزراعي والصناعي، عصر النهضة، ويجوز هنا تسمية عصر مضى بالقرطسة. اليوم ونحن نعيش عصر التقنية والانترنت ونُظم الاتصالات المتقدمة أجزم بأن الجيل الحالي سيضحكون سُخريةً فيما لو حاول أحدنا قرطستهم بالوعود الهُلامية.