عادةً أصطحب صغيرتي معي كي نتعاون في اختيار فستانها للعيد، حيث نتبع منهجاً ديمقراطياً منظماً، فنشتري الفستان الحاصل على الأصوات الأكثر. انقضت ساعات التسوق ومشَّطنا المجمع التجاري طولاً وعرضاً ونحن لم نتفق على أي قطعة بعد، فعدنا إلى المنزل بخفي حنين. في اليوم التالي ونظراً لضيق الوقت قررت بكل خبث أن أتخلى عن ديمقراطيتي قليلاً وأعتمد على الديكتاتورية فأقصد السوق وحدي وأستمع لصوتي فقط. عُدت إلى المحل وحين هممت بأن أشتري الثوب الذي أعجبني تذكرت البريق في عيني ابنتي وهي تجذب بيديها الصغيرتين الثوب الذي أعجبها. تلك الملامح الملائكية والعينان الواسعتان كانتا تؤثران بي حتى في غيابهما، في اللحظة الحاسمة اشتريت لها الثوب الذي تريد. خرجت من السوق وأنا ألعن قلبي الرقيق وأسائل قراري المتهور، كيف اشتريت هذا الفستان (دقة قديمة) في حين كان بإمكاني اختيار ثوب عصري رائع سيعجب الجميع! حلَّقت مع أفكاري قليلاً، عن أي جميع أتحدث؟ وما الهدف من شراء الفستان أساساً؟ أليس من أجل إدخال الفرح والسرور على قلب ابنتي يوم العيد! سينسى الجميع ما ارتدته في حين ستتذكر هي أنها كانت أميرة أنيقة ترتدي ما تحب وكم كنت لها أماً رائعة ملأت أيامها بالسعادة، أليس هذا هو المهم حقاً! شراء الفستان قرار بسيط جداً، لكن المعضلة ذاتها تبرز في كل قراراتنا. في أحيان كثيرة تضيع منا بوصلتنا الداخلية، تختلط أولوياتنا، فيتقدم المهم على الأهم، أو نمنح أموراً تافهة حجماً وأهمية لا تليق بها أساساً، ونتخذ قراراتنا بناءً على ذلك. أحياناً ننسى أن نستمع لقلوبنا أو قلوب من نحب، في حين ننصت ونصغي لأشخاص آخرين. أحياناً نعطل مشاعرنا ورغباتنا واهتماماتنا التي نراها رائعة لأن الآخرين لا يرونها كذلك. إن كنت ممن يفعل ذلك ستستيقظ يوماً ما لتكتشف أنك تعيس، لقد قررت في غفلة أن تُسعد كل من حولك ونسيت أن تسعد أنت أو أن تُسعد أحبابك. كلنا نعرف أن رضا الناس غاية لا تُدرَك ورغم ذلك نستميت في محاولة إرضائهم. (سيقولون عنا الناس) كم مرة في حياتك اتخذت من هذه الجملة التافهة ميزاناً وفيصلاً يقرر حياتك بالنيابة عنك! ما رأيكم لو استبدلنا هذا المعيار بمعايير أخرى جديدة عند اتخاذ قرارتنا! لنقل مثلاً هل هذا الأمر صائب أم خاطئ، قانوني شرعي أم غير قانوني ومخالف للشريعة، هل أنا المعنيُّ بالأمر أم هم، هل يرضيني ويسعدني، هل يوافق قناعاتي، مَنْ الذي سيعيش أيامه ولياليه بناءً على هذا القرار، مَنْ الخاسر، مَنْ الرابح، مَنْ المتأثر؟ الحياة هبة عظيمة لا تُمنَح لنا إلا مرة واحدة فقط، لذا علينا أن نجعلها تجربة ناجحة ممتعة وسعيدة قدر المستطاع. لِنختَر الوظائف التي نحب في التخصصات التي نحب، لِنختَر شركاء الحياة والأصدقاء الذين تميل إليهم قلوبنا، لِنختَر البقاء في تلك العلاقات أو الرحيل عنها لأنّ ذلك هو الأنسب لنا والأفضل وليس خوفاً من كلام الناس. لنمارس هواياتنا التي تبث الحياة في أيامنا وليس تلك التي ستحصد إعجاب الآخرين. أعزائي تذكروا جيداً أن كلام الناس (لا بيأدم ولا يأخر).