توارت مشاعر كانت تغمر (إلى زمن ليس ببعيد)، قلوب الناس عند حلول العيد، حلت مكانها أخرى باردة جامدة لا يمكن وصفها ب «مشاعر»، وقلوب لا تعرف معنى حقيقياً لفرحة المناسبة العظيمة. وفي ظل تطور العصر وسرعته الغريبة، اختفت المحبة وروح التسامح في قلوب الناس بين بعضهم بعضاَ، ما أدى إلى تباعد بعض العلاقات، نتج منه تحبيذ البعض قضاء العيد وحيدين من دون الاحتكاك مع أشخاص لا يستطيعون الفرح معهم، وأُجبر بعض آخر على كبت حزنهم الشديد وهم يشاهدون أحب الناس لقلوبهم لا يعرفون فرحة العيد، مشيرين إلى أنه كان للعيد رونق خاص، وروح جميلة. جميلة سليمان (60 عاماً) قالت ل «الحياة»: «إن الأعياد في زمننا الحاضر لم تعد كما كانت، وليست لها أي نكهة أو معنى بل على العكس، فقد أصبح نوعاً من المجاملات الرسمية التي قد يجبر عليها البعض أيضاً، وذلك لأداء الواجب وصلة الرحم فقط، فإن لم نقم حفلة عشاء أو غداء في أيام العيد لم يقم بزيارتنا أحد، على غرار ما كان يحدث في الزمن الجميل، الذي كان يسوده المحبة والصدق في المشاعر، إذ كانت أبواب المنازل مشرعة دائماً في ليالي الأعياد لزوارها للمعايدة سواء كانت تلك الزيارة من كبير أو صغير، والجميع في الحي يرتدي أجمل الثياب ويجول أطفال الحي على جميع منازله لمعايدة الكبار والصغار في المنزل، وبالطبع الحصول على «العيدية» وهي نقود تعطى لصغار وشباب العوائل من كبارهم فرحة بالعيد، في حين أن جميع تلك العادات الجميلة والفرحة الصادقة بقدوم العيد، بيد أن مشاركتها مع الجميع قد انقرضت اليوم، ولم يعد لها أثر وأصبح العيد يسوده الكثير من البرود». في السياق ذاته، أوضحت الشابة هتون أحمد (28 عاماً) بقولها: «إنني أعهد العيد جميلاً في سنوات عمري الأولى فقط، إذ كنا نجتمع في أكثر من منزل، ونزور أكثر من عائلة لمباركة قدوم هذه المناسبة السعيدة»، وأضافت: «كانت والدتي تحرص على تصميم أجمل الفساتين لي لارتدائها صباح العيد، وأتحلى في باقي أيامه بأجمل الثياب (التي تشتريها لي أمي) مخصصة لتلك المناسبة الرائعة، ولكن للأسف مع كل عام جديد باتت روعة العيد ورونقه يتقلص، إلى أن اختفى بشكل شبه نهائي، إذ كبرت أنا وصغرت فرحة العيد، وأصبحت أحرص أن أقضي المناسبة مع والدتي وأختي الصغرى فقط، إذ نفضل الذهاب في صباح اليوم الأول منه للفطور في أحد المقاهي أو المطاعم الكبرى، كي نحتفل سوياً من دون أي مشاركة من أحد، ويعود ذلك إلى تقلص المحبة في قلوب البشر بينهم، وكثرة المشكلات التي تفرق الناس». وعلى المنوال ذاته، أوضحت جيهان محمد (18 عاماً) عدم معايشتها فرحة حقيقية للعيد سوى حينما كانت في طفولتها الباكرة، وتابعت: «بمجرد بلوغي سن ال11 عاماً، اختفت تلك الفرحة بشكل تدريجي عاماً بعد عام، ولم أعد أجد أي معنىً أو فرحة للعيد سوى ساعة الذهاب لأداء الصلاة في صباح أول يوم فقط، التي بمجرد انتهائها ينتهي العيد بالنسبة لي، خصوصاً بعد طلاق والدي، وكثرة المشكلات والمنازعات بين بعض أفراد العائلة وتقلص المشاعر الصادقة التي كانت تملؤني تجاه بعض أفراد أسرتي في الصغر وذلك كان لصدق مشاعري وسذاجة إحساسي وأنا طفلة، بيد أن الأمر انقلب رأساً على عقب عندما كبرت قليلاً، إذ وجدت الكثير من الاختلافات التي واجهتها مع الكثيرين من أفراد عائلتي، إضافة إلى مشكلات الكبار التي من الصعب حلها، ولهذا أفضل أن أقضي العيد مع والدتي وأختي وأخي فقط». من جانبها، أبانت السيدة رحمة عمر (ربة عائلة كبيرة تبلغ من العمر 85 عاماً) ل«الحياة» بأن مشكلات الحياة التي تكبر مع المرء أضاعت معنى العيد الحقيقي، وزادت: «أرى أن السبب الحقيقي في ذلك عائد إلى تطور العصر، لذا أعتبر التقدم والتكنولوجيا أسباباً لما نحن فيه من تدن في فرحة العيد عكس الماضي». وأضافت: «على رغم أن التكنولوجيا ساعدتنا في جوانب كثيرة إلا أنها أبعدتنا عن بعضنا أكثر، إذ كان العيد في زمننا القديم له قيمة وفرحة غامرة، لا تختلف بين الغني والفقير، إذ إننا كنا نجتمع لزيارة جميع منازل الحي، ويزورنا كل سكانه، فيما يأتي إلينا الأهل والأقارب الذين لا يسكنون في الحي ذاته، ونبادلهم نفس الدور، إضافة إلى تجمعنا ونحن صغار بأجمل ثياب في مثل هذه الأيام، و الذهاب لجميع المنازل والمعايدة». وتسترجع رحمة بذاكرتها إلى الزمن الجميل: «أذكر والدي (رحمه الله)، وهو يرتدي ثوبه الجديد و«السديري» الأبيض ويلف العمة على رأسه ويحمل عصاه ويجمعنا وهو يكبر ويهلل فرحة بقدوم العيد وأثناء ذهابنا إلى الحرم المكي لأداء صلاة العيد، ومن بعد ذلك نجتمع جميعنا لتناول الفطور، ويذهب الصغار للعب أمام المنازل مع باقي أطفال الحي، لكن اليوم على رغم فرحتي بأحفادي ومحبتي لهم جميعاً، إلا أنني أحزن كثيراً على ما خسروه من مشاعر وقيمة حقيقية للفرح في مناسبة العيد كما كنا نفعل نحن في السابق».