لا شك أن دعوة خادم الحرمين الشريفين خلال قمة الرياض الأخيرة لقادة دول مجلس التعاون بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الوحدة، تستحق الثناء والتقدير، وهي تعبّرُ عما يجول في خواطر ملايين الخليجيين. وهي دعوة كريمة جاءت وسط مخاضات وتحولات سياسة إقليمية ودولية تحتّم التسريع بقيام هذا الاتحاد. كما أن النظام الأساسي لمجلس التعاون في مادته الرابعة (الأهداف) فقرة (1) قد نصّت على الآتي: «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها»! لذا فإن الفكرة تأتي استتباعاً لمرحلة التعاون التي مضى عليها أكثرُ من ثلاثين عاماً. لكن المتأمل لمسيرة المجلس يلاحظ بُطءَ المسيرة وتركيزها على نواحٍ محددة، أبرزها الناحية الأمنية، فيما بقيت مجالات التعاون الأخرى المتعلقة بحياة الإنسان ومعاشه تسيرُ الهوينا، وبعضها اصطدم ببعض الخلافات، كما هو حال الاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي والسوق الخليجية المشتركة، وكلها مجالات اقتصادية وليست سياسية في المقام الأول. أي أنها لا تقترب من سيادات الدول. وكان أعداء مجلس التعاون قد وسَموا هذا المجلس بأنه «مجلس حُكام»، وأنه «حلف عسكري» يستهدف تعزيز القوة العسكرية للدول الست، خصوصاً بعد مرحلة فراغ القوة، بعد رحيل القوات البريطانية في أوائل السبعينيات، وقيام إيران بتوجيه تهديدات إلى بعض دول المنطقة؛ ما أكد الحاجة لتعزيز قدرات دول المجلس الدفاعية، حيث تولدت فكرة (درع الجزيرة) بقوات رمزية من الدول الأعضاء.وكان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور عبداللطيف الزياني، أشار إلى أن «قرار قادة دول مجلس التعاون القاضي بالانتقال إلى مرحلة الاتحاد، يأتي في ظل تحديات ومتغيرات كبيرة دولية وإقليمية تتطلب وحدة القول والفعل». كما توقع مصدرٌ في الأمانة العامة لمجلس التعاون -حسب جريدة «الشرق»- أن يتم الإعلان عن الاتحاد الخليجي في قمة قادة دول المجلس في شهر ديسمبر المقبل. وكانت الهيئة الخليجية المكلفة بدراسة مشروع الاتحاد قد عقدت أول اجتماعاتها في الرياض قبل أسبوعين. ومن المؤمل أن يتم عرض نتائج دراسة اللجنة على قادة دول المجلس في اجتماعهم التشاوري في مايو المقبل. وبقراءة بعض التصريحات الخليجية، ومنه ما عبّر عنه رئيس الأمن العام البحريني، «أن الاتحاد المزمع تأسيسه بين دول الخليج سيسمح لها بتشكيل قوة عسكرية تشبه قوة حلف الناتو»، مضيفاً «مما يجعل دول التعاون قادرة على تزويد العرب بحلول لمشكلاتهم» (الشرق). بقراءة مثل هذه التصريحات نلاحظ أن التركيز في الاتحاد الخليجي سيكون لصالح الأمن والجيش، وهذا ما يؤكد المخاوف من بقاء المجالات الأخرى التي تمسُّ حياة الشعوب بعيدة عن دائرة الاتحاد. وهذا يخالف نصَّ (الهدف الرابع) من النظام الأساسي، لأن التعاون يشمل الميادين كافة! وليس فقط الميدان الأمني أو العسكري. نقول إنها مخاوف كوننا لم نطّلع بَعد على الشكل القانوني أو الإطار المنظم لقيام الاتحاد المأمول، والعُرف أن يشمل جميع مناحي الحياة! مع أن الشكل الكونفدرالي هو الأقرب لظروف الدول الست! إن بقاء مجلس التعاون طوال الأعوام الثلاثين الماضية صامداً، رغم ما تعرّض له من أخطار وحوادث داخلية وخارجية، دليل على أن هذا المجلس يعتمد في الأساس على خاصية المكان والإنسان! وأن أي اتحاد يغفل أو لا يرتكز على هاتين الخاصيتين فمآله إلى التلاشي والتفكك. ولقد سقطت محاولات لوحدات عربية سابقة، لأنها جاءت وسط اندفاع و»هوجات» سياسية وعاطفية لم تضع في حساباتها أهمية تطبيق الوحدة على الأرض، ولنا في الوحدة اليمنية والوحدة المصرية السورية المثال الأوضح. وهنا تثار في الشارع الخليجي عدة أسئلة، مثل: – هل ستتأثر سيادات الدول بوجود الاتحاد؟ – هل سيكون الاتحاد حلفاً عسكرياً يحفظ أمن الدول الأعضاء فقط؟ – هل سيقدم دعماً للدول العربية الأخرى (كما ورد في التصريح أعلاه)؟ – وإذا ما صحّ ذلك (الدعم العسكري كما هو واضح)؛ فمن يقرر دعم هذه الدول العربية أو تلك؟! خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي؟! – وإذا ما صار حلفاً مثل الناتو؛ فإنه يحتاج إلى ميزانيات ضخمة لشراء الأسلحة ومستلزمات الحلف، من اتصالات وتدريبات وإعاشة! فهل لن يؤثر ذلك على مسيرة التنمية في البلدان الخليجية التي تمس حياتهم؟ – وإذا ما قام الاتحاد؛ فهل هذا يعني فتح الحدود للمواطنين من الدول الست، وضمان حرية التنقل دون منغصات بين المنافذ الخليجية؟ – وإذا ما قام الاتحاد؛ هل ستضطر الدول الست إلى توحيد تشريعاتها فيما يتعلق بالحريات العامة -إذ يوجد تفاوت في هذا الموضوع بين الدول الست- وتبديل أنماط الحياة وشؤون الإدارة السياسية والممارسات المدنية الموجودة في بعض الدول، مثل الكويت والبحرين؟ – وإذا ما قام الاتحاد؛ هل ستتحقق المُواطنة الخليجية، ويصبح المواطن مواطناً كاملاً في الدولة الأخرى، اعتبارياً وتجارياً؟ – وإذا ما قام الاتحاد؛ هل ستتوحد الشركات الكبيرة -التي تتنافس حالياً- مثل شركات البترول والغاز، الجامعات، الطيران، الإعلام... إلخ؟نحن مازلنا نجهل أبعاد الاتحاد الجديد، ونأمل أن تكون هنالك ندوات تنظمها الأمانة العامة لمجلس التعاون أو الجامعات الخليجية، يحضرها مفكرون خليجيون ومهنيون، ليطلعوا على شكل اتحادهم! ويدلوا بدلائهم في المواد المنظمة لهذا الاتحاد؛ حتى لا يؤخذ عليه بأنه قرار «فوقي»، لم يؤخذ فيه رأي الشعوب!