مَن أنعم الله عليه بأداء شعيرة الحج، يعي جيداً حجم الأثر النفسي الإيجابي المنعكس على ذاته وأناه، المتمثل في تلك الأريحية والاستكانة التي يستشعرها الحاج وهو يقف بين يدي الله طائعاً عابداً مستكيناً بغية المغفرة والأجر والمثوبة. فهو حقاً بداية التغيير، ونقطة تحول مهمة في الأداءات التعبدية؛ إذ به يكتمل الدين وتتم العبادة على أكمل وجه، فهو من الأركان الأساسية التي ينبغي على المسلم الحرص على القيام بها قبل أن يأخذ الله أمانته ويفضي الإنسان إلى خالقه. كما أنه – أي الحج – وبرمزيته الممارسة يشكل صورة مصغرة من أرض المحشر. فيستشعر فيه الإنسان عظمة الخالق، ومن ثم يحرص على البداية الأدائية الحياتية المثلى كونه سيرجع بعد الحج كيوم ولدته أمه. لذا نجد المملكة العربية السعودية ومنذ تشكلها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، وهي تحرص إلى أقصى قدر وتعمل إلى أبعد مدى وتؤدي بشكل مطرد وتصرف المليارات كي تضمن تمكُّن مسلمي العالم من القيام بعبادتهم في أمن وراحة وسهولة وبعيداً عن أي مكدرات أو منغصات سواء ما كان منها تنظيمياً أو نتاج فكر قاصر يحمله الحاج القادم معه كرفع الشعارات السياسية أو التصنيفات الدينية أو إثارة النعرات الطائفية بين الحجيج. فحكومة خادم الحرمين تحرص على الامتثال لأوامر الله ثم لهدي النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في أن يكون المسلمون في الحج سواسية. وهو للحق يعد المعنى الحقيقي للإخلاص في أداء هذا الركن العظيم من الإسلام. ولقد اكتسبت المملكة وعبر عقود من التنظيم والإشراف على تفويج الحجاج خبرة عالمية لا تضاهيها خبرة، مما يجعل المملكة تأتي في المرتبة الأولى بخبرتها عالمياً في مجال إدارة الحشود. وهو ما يكذب ويناقض تلك الدعاوى الزائفية التي يكيلها أعداء المملكة بغية الانتقاص من قدرات المملكة في هذا الجانب التنظيمي المتعلق بالحج. فأن تتمكن – كما هو ديدن حكومة خادم الحرمين – من إدارة وتنظيم عبادات أكثر من ثلاثة ملايين حاج وفي مساحة جغرافية محدودة – كمدينة مكةالمكرمة – لهو عمل جبار، تنوء به عديد من العصبة الأولى من الدول، الأمر الذي يجعل من شكر المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً على جهدها والدعاء لحكامها بالخير والغفران؛ يمثل حتمية فعلية ينبغي ألا يتردد في القيام بها كل من يشهد قلبه بالإيمان ويعي الأثر الرسولي الذي يقول «من لا يشكر الناس لا يشكر الله». إلا أنه من الملاحظ أن تلك المهمة الدينية العظيمة التي تتمكن المملكة من الاضطلاع بها كل عام قد بدأ يشوبها بعض المنغصات والمتغيرات السلبية الخارجية التي لا علاقة للداخل السعودي بها على الإطلاق. وأعني بذلك تلك المحاولات السلبية المتكررة من حكومة طهران بتحويل شعيرة الحج إلى بوق سياسي لتمرير رؤاها وشعاراتها المأفونة سواء ما كان منها سياسياً أو طائفياً، بالإضافة إلى المحاولات المتكررة في إفشال أعمال الحج وتنغيص متعة أدائها الروحية على حجاج مسلمي العالم. وهو الأمر الذي أشار إليه مؤخرا معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ في الكلمة التي ألقاها خلال لقائه نخبة من كبار ضيوف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – في مقر إقامتهم في فندق الدار البيضاءبمكة؛ حيث قال (… إن المملكة سعت إلى أن يكون الحج لله، وألا يكون فيه شعارات، أو تحزبات سياسية، أو شعارات إقليمية، أو طائفية، بحيث تفسد إخلاص الحج وكينونته لله وحده…). هذه الكلمات البسيطة في مفرداتها المعبرة في دلالتها التي أطلقها معاليه خلال هذا اللقاء؛ تلخص ذلك الحرص الأمثل وتلك النظرة الحكيمة التي يتمتع بها حكام هذه البلاد منذ نشأة وقيام كياننا السعودي الطاهر. فأتم الله لحجيجه عباداتهم، وتقبل منهم طاعاتهم، وحمى الله بلادي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا من كل شر ومكروه، وكل عام وأنت يا وطني بألف خير.